أُنشئت الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 1945 تحت اسم «الجامعة الشعبية»، ثم تغير اسمها إلى «الثقافة الجماهيرية» ثم تحولت إلى عام 1989 إلى «هيئة قصور الثقافة». لا شك أن أى قارئ جيد لطبيعة الوضع الكارثى للثقافة فى مصر يدرك تماماً أن هيئة قصور الثقافة لا بد أن تكون فى بؤرة اهتمام ورعاية وزارة الثقافة، بل ووزارتى الداخلية والدفاع والقائمين على الأمن القومى، فهى ذراع الدولة الوحيدة القادرة -إن أُحسن استخدامها- على فتح طاقات النور فى عقول البسطاء الذين تدفعهم ظروفهم الحياتية البائسة إلى اعتناق الأفكار المتطرفة ربماً هرباً من واقعهم الأليم، أو حتى رغبة منهم فى الانتقام من مجتمع يرونه قد تناساهم تماماً وغض الطرف عن معاناتهم. تعانى هيئة قصور الثقافة بقصورها الخمسمائة وأربعة وأربعين من هيكل إدارى متضخم، وميزانية تكفى بالكاد لسداد أجور العاملين، والقليل المتبقى المخصص للنشاط الثقافى لا يستطيع أى مدير لأى من القصور، مهما بلغت مواهبه الإدارية وصدق نواياه، أن يقيم نشاطاً ثقافياً حقيقياً مؤثراً يغير الواقع الثقافى فى المحيط الجغرافى لقصره. إن أى محاولة جادة لإصلاح هيئة قصور الثقافة بكامل قصورها وهيكلها الإدارى العملاق بالموارد الحالية لوزارة الثقافة تحتاج إلى معجزة! وفى رأيى المتواضع أن أنسب وسيلة لإصلاحها هى الطريقة التى اتبعها «مهاتير محمد»، رئيس ماليزيا السابق ومهندس نهضتها، حين هَمَّ بتطوير النظام التعليمى بها، فقد أدرك «مهاتير محمد» منذ اللحظة الأولى أن موارد ماليزيا حينئذ (فى بداية الثمانينات) لا تكفى لإصلاح المنظومة التعليمية بأكملها دفعة واحدة، فلجأ «مهاتير» إلى إنشاء «مراكز متفوقة» (Elite centers) هى عبارة عن عدد محدود من المدارس النموذجية والتى تنافس نظيراتها فى بلدان العالم المتقدمة، ثم بدأ فى تحويل باقى المدارس فى ماليزيا تدريجياً، وحسب خطة محكمة، إلى نموذج «المراكز المتفوقة» حتى أصبحت تجربة إصلاح التعليم فى ماليزيا بعد عشرين عاماً نموذجاً يحتذى. وعلى هذا فإننى أقترح أن يتم وضع تصور مدروس عن الشكل المثالى لقصر الثقافة وطبيعة نشاطاته المأمولة وطبيعة التدريب اللازم لفريق إدارته، ولائحة لتنظيم العمل توضع لتحقيق أكبر كم من الإنتاج الثقافى فى هذا «القصر - مركز التفوق»، ثم يصدر قرار بإنشاء «قصور الثقافة الجديدة» وتبدأ باختيار عشرة قصور يراعى فيها أن تكون بحكم موقعها الجغرافى تخدم أكثر المناطق فقراً وعشوائية فى مختلف أنحاء مصر، ويتم تجديد وإدارة تلك القصور كمراكز للتفوق بلائحة جديدة خالية من المعوقات وفريق تم تدريبه جيداً ليصبح مركز إشعاع حقيقياً للثقافة والتنوير، وتدريجياً، يتم ضم باقى القصور إلى الكيان الجديد بعد تجديدها وتدريب فريق عملها. أتمنى أن يتسع صدر السيد وزير الثقافة والشاعر الأستاذ مسعد شومان، رئيس هيئة قصور الثقافة، لهذا المقترح، وأتمنى لهما كل النجاح فى مهمتهما العسيرة لإصلاح تلك التركة المثقلة بالهموم. والله من وراء القصد..