لا أدعى أننى راضٍ تمام الرضا عن الطريقة التى تم بها اختيار اعضاء الجمعية التأسيسية للدستور ولا عن كل الأسماء التى تم اختيارها فى هذه الجمعية. ولا أدعى كذلك أن بوسعى أن أختار جمعية يرضى كل المجتمع عن أعضائها؛ فهذا أمر يكاد يكون مستحيلاً فى ظل هذه الحالة من الضوضاء السياسية، وكما يقال (إرضاء الناس غاية لا تُدرَك). وقد يزيد الأمر تعقيداً أننا الآن فى مصر لا نمارس حالة من التفاعل أو التكامل السياسى وإنما نمارس حالة من العداء السياسى (إن صح التعبير)، بمعنى أننا نرى كل فصيل سياسيى يعادى الفصائل الأخرى لمجرد الاختلاف فى الرأى أو الرؤية السياسية، عداء قد يصل إلى حد (التكفير) أحياناً أو (التخوين) أحياناً أخرى. والسؤال الآن: هل سنستطيع فعلاً الخروج من عنق الزجاجة بدستور مصرى جديد يعبر عن آمال وطموحات هذا الوطن ويرضى عنه جميع الأطراف؟ وقبل أن تكون الإجابة ب(نعم) أو (لا) لا بد أن نعرف أولاً أنه لا سبيل إلى الاستقرار إلا بتحقيق ذلك، ولا بد أن نوقن جميعاً أن (الدستور) الذى نحن بصدد إعداده ليس (ترفاً) سياسياً ولا خطوة مرحلية إنما هو بمثابة (الحياة) بالنسبة لنا جميعاً وأننا بدونه لن نستطيع تحقيق أى من المطالب (الثورية) التى ضحى من أجلها شهداؤنا ومصابونا الأبرار، ولن نستطيع كذلك أن نحقق الأمن ولا النمو الاقتصادى، وستعجز الدولة بكل مؤسساتها عن النهوض بالمجتمع، بل وربما نقع فى درك الحرب الأهلية (لا قدر الله) أو ثورة الجياع (لا قدر الله أيضا) ولا أظننى أبالغ فيما أقول، وعلى من يرانى أبالغ أن ينظر إلى الوراء قليلاً ليحدثنى عما جنيناه منذ أن قامت الثورة وحتى يومنا هذا غير الانتخابات الرئاسية، بل إن أهم ما جاءت به هذه الانتخابات، وهو الرئيس المنتخب، يقف مكبل الأيدى لأنه بلا برلمان تشريعى وبلا دستور يحرك مفاصل الدولة، وما حدث من أخطاء أثناء الفترة الانتقالية فى ظل المجلس العسكرى ينبغى ألا يتكرر الآن، و(الدستور) القادم هو ما سيرسم شكل الدولة ونظام الحكم والحريات ويحمى التعددية وتبادل السلطة وغيرها من الأمور التى قامت الثورة من أجل تحقيقها، وعليه تتوقف الانتخابات القادمة لمجلس الشعب، وبلا دستور لن تكون هناك (انتخابات) وعندها سيتوقف الزمن مرة أخرى. أقول ذلك بمناسبة أننى أشاهد كل يوم من يتكلم عن (الانسحابات) من الجمعية التأسيسية وعن ضرورة إسقاطها وإعادة تشكيلها مرة أخرى بل وقد يتهم الجمعية التأسيسية بالتواطؤ أو الطائفية أو الانحياز وعدم الإنصاف فى كتابة الدستور دون أن يبين بالشرح والتوضيح ما هى المواد التى يراها (طائفية) أو (تواطئية) أو (انحيازية) من وجهة نظره وما هى البدائل التى يقترحها. وباتت المسألة (من وجهة نظرى) إما محاولات للظهور و(الشو الإعلامى) فقط، أو مكائد سياسية لتوريط النظام أو حزب الأغلبية، وإما محاولات أخرى لتصفية حسابات شخصية أو لحصد أصوات انتخابية، ولوضع النقاط فوق الحروف فيما يخص الدستور وجمعيته التأسيسية أقول: أولاً: إننا لا نملك (رفاهية الوقت) حتى نتمهل أكثر من ذلك فى صناعة الدستور، ولو ضاعت هذه الفرصة قد تدخل البلاد فى نفق مظلم وحقبة لا يعلم مدى سوادها إلا الله تعالى، وبالتالى علينا جميعاً أن ننجز الدستور فى أسرع وقت ممكن لتتحرك قاطرة التنمية والاقتصاد. ثانياً: لن يملك أحد مهما فعل أن يأتى بجمعية ترضى جميع الأطراف بنسبة كاملة، وبالتالى علينا أن نتجاوز عن ذلك ما دامت النسبة مرضية إلى درجة معقولة. ثالثاً: على من يعترض على أى مادة من المواد المقترحة فى الدستور الجديد أن يعترض فهذا حقه، ولكن عليه أيضاً أن يقول لنا ما هى مقترحاته فى هذا الأمر لنستفيد منه جميعاً بدلاً من الصراخ والعويل الذى لا يجدى إذا كان فعلاً يريد مصلحة الوطن . رابعاً: أتمنى أن تناقش كل مواد الدستور الجديد على شاشات الإعلام فى برامج حوارية تجمع كل طوائف المجتمع المصرى بطريقة يستفيد منها الجميع وتتم التعديلات الإيجابية المقترحة من أهل الخبرة قبل طرح الدستور للاستفتاء عليه. خامساً: علينا جميعاً أن ندرك أننا فى مرحلة استثنائية من تاريخ مصر وعلى كل واحد فينا أن يتحمل مسؤلياته بوطنية خالصة بعيداً عن المصالح الحزبية. سادساً: على أعضاء الجمعية التأسيسيه أن تتسع صدورهم لكل الانتقادات وأن يشركوا الجميع معهم حتى يأتى الدستور معبراً عن كل المصريين لا عن فصيل واحد منهم. ملحوظة: أنا لست عضواً فى الجمعية التأسيسية للدستور مع احتفاظى بشرف أنى مصرى.