مداخل متعددة يمكن من خلالها تفسير الأزمة التى تعصف بحزب النور، أولها النشأة الحديثة للحزب ونقص الخبرة التنظيمية. فقد ظهر الحزب نتيجة الالتقاء السريع والمتعجل لمجموعات سلفية لم يسبق لها الاهتمام أو العمل بالسياسة، وقررت فجأة خوض الانتخابات البرلمانية. وهناك فروق كثيرة بين غزوات الصناديق والعمل الحزبى. وهنا تقفز المقارنة بين النور والإخوان، فالجماعة تمتلك بنية تنظيمية وتقاليد راسخة فى العمل السياسى، نجحت من خلالها فى تأسيس حزب الحرية والعدالة كجناح سياسى لها، واحتواء عديد من الانشقاقات والأزمات الداخلية، التى ضربت الجماعة بعد الثورة. بينما فشل حزب النور الوليد فى مواجهة أزمات التحول من جماعات سلفية إلى حزب سياسى. والمدخل الثانى للتفسير يتعلق بافتقار النخبة التى أسست الحزب لتقاليد الحوار الديمقراطى والتعايش المشترك رغم وجود خلافات سياسية، حيث أدارت تلك النخبة الحزب بمنطق وآليات الجماعة التى يقودها أمير أو شيخ، له حق السمع والطاعة وعدم الاختلاف معه طالما لم يخرج عن الشرع، بينما السياسة مجال والشرع مجال آخر، ولا يعنى ذلك إقصاء الدين عن السياسة، بل وضعه فى مكانه الصحيح، كثابت لا يتغير وموجه أخلاقى وقيمى للسياسة، التى لا تثبت على حال، وتحركها المصالح والأهواء. وثمة مدخل ثالث يفترض أن الحلقية والتعصب الجهوى الذى أصاب سلفيى الإسكندرية وراء كثير من المشكلات، فقد تصور هؤلاء أن قوتهم وحسن تنظيمهم وتمويلهم يمنحهم الحق فى القيادة والهيمنة على الأمور فى الحزب، وفى كافة تشكيلاته على مستوى الجمهورية. وهى تصورات رفضها أعضاء الحزب، بعد أن ترجمها السكندريون فى مواقف واختيارات عكست نوعاً من التعالى الفكرى، والوصاية على خارج الإسكندرية. أما المدخل الرابع فى تفسير أزمة حزب النور فيرتبط بالثقافة السياسية للمصريين، التى أصابتها عصور الاستبداد بأمراض مزمنة لا علاج لها فى المدى القصير، وتنتشر هذه الأمراض بين كل الأحزاب الليبرالية واليسارية والقومية، والإسلامية، وأشهر تلك الأمراض الشللية، والشخصنة، والحلقية، والانتهازية، والجمود الفكرى والسياسى، والافتقار لروح الفريق فى العمل، وكل هذه الأمراض تغذى الانقسامات والانشقاقات وتعرقل تطور أغلب الأحزاب، ما يعنى أن السلفيين أو الإخوان كأقرانهم فى الأحزاب المدنية يمارسون نفس الأخطاء. ولم تنجح المرجعية الإسلامية وادعاء الزهد والورع فى القضاء على حب الظهور الإعلامى، والانتهازية السياسية، والكذب وتضليل الرأى العام. الأمر الذى يؤكد أن جماعات الإسلام السياسى لم تنجح فى تقديم نموذج إسلامى فى الممارسة السياسية يلتزم بأخلاق الإسلام، فقد تورط الإخوان والسلفيون فى تصريحات ووعود انتخابية لم ينفذوها، كما خاضوا حروباً كلامية ضد خصومهم السياسيين تبتعد كثيراً عن مثالية النموذج الإسلامى. ورغم ما بين المداخل الأربعة من خلافات فإنها تقدم رؤية متكاملة فى تفسير أزمة حزب النور، ولماذا حدثت وكيف تفجرت، من دون أن تكون هناك آليات تنظيمية أو سوابق تاريخية لاحتواء هذه الخلافات، التى قد تتضخم على خلفية اتصالات قيادات الحزب بأحمد شفيق، وأنا شخصياً أتمنى أن ينجح الحزب فى احتواء تلك المشاكل وتطوير أدائه، فالتيار السلفى فى المجتمع لا بد أن يشارك بفاعلية فى التجربة الديمقراطية، خاصة أن هناك كتلة سلفية كبيرة ترفض حتى اليوم الخروج على الحاكم، وبالتالى تبدى صراحة عدم موافقتها على الثورة أو تشكيل الأحزاب والاشتراك فى الانتخابات. لكن التيار السلفى، وفى المقدمة منه حزب النور، يجب عليه الاعتراف بقيم الديمقراطية وأهمها احترام الحريات العامة، وضمان حقوق الآخر، المختلف عنه دينياً أو فقهياً أو سياسياً. والإشكالية الآن أنه إذا كان حزب النور لم يعرف كيف يحترم ويمارس القيم الديمقراطية بين أعضائه، فكيف سيحترمها ويلتزم بها فى تعامله مع الآخرين الذين يختلفون معه، ولا ينطلقون من مرجعية إسلامية، وفق فهم حزب النور للمرجعية الإسلامية.