ملتقى «أصيلة» الثقافى بجوار عطاءاته المشهودة ثقافياً، أعطى مردوداً اقتصادياً. «أصيلة» تقع على شاطئ المحيط الأطلسى، ومنذ بداية مهرجانها الثقافى منذ حوالى ثلاثين عاماً، تطورت وازدهرت على مستوى العمران وصارت قطباً ثقافياً سياحياً. ومع استمرار تطورها بدأت فى جذب فنانين من مختلف أنحاء العالم، هذا لأن المغرب أطلقت العلماء والفنانين والأدباء ليفكروا ويعملوا بعيداً عن عناكب الفساد وغباء الروتين. وإن كانت «أصيلة» بها خصوصية أمازيغية مغربية تستجلب الاهتمام، فالمنطقة الشاسعة وبها معبد «أبوسنبل» واحتفالات تعامد الشمس التى ستكون ضمن الفكر الثقافى المقترح، فإن المنطقة بها خصوصية نوبية مصرية تزيد بمراحل عديدة عن «أصيلة» مع احترامنا الكامل لأصيلة وتاريخها، وإن كانت بجوار أصيلة مدينة «طنجة» المشهورة، فمنطقتنا بالقرب منها مدينتا أسوان والأقصر، وهما أكثر شهرة من «طنجة». أصيلة على البحر، فجمعت بين أوروبا وأفريقيا فى منافع ثقافية/اقتصادية، و«أبوسنبل» على النهر العظيم، نهر النيل وله وقع سحرى أسطورى. لذا على المشروع الثقافى/الاقتصادى المرجو، أن يجمع مثقفى وعلماء ورياضيى القارة والراغبين فى العلم من مختلف شعوب حوض النيل وشعوب أفريقيا كافة، لتحقيق روابط استراتيجية بالغة الأهمية لشعوب القارة، أقول شعوب القارة، فهى الأبقى وليس الحكومات التى منها الصالح ومنها الطالح. إذن، بيت أفريقيا هو ملتقى أفريقى يقام فى منطقة «أبوسنبل» على حدودنا الجنوبية. بيت أفريقيا مشروع قومى مصرى مُبتغى، فمصر لكى تنطلق، عليها أن تعمل فى أكثر من مشروع قومى، فالتعليم مشروع قومى وقناة السويس وشبكة الطرق وغيرها. لا مفر من العمل الكلى فى منظومة ضرورية لرفعة الوطن. وبيت أفريقيا، الذى سيعتمد أساساً على الفكر الثقافى/الاقتصادى، سيلقى تعاوناً وثيقاً من الحكومة التى أخذت فى الاهتمام الكبير بأفريقيا الجنوب فى السنوات القليلة الماضية، وهذه الأيام نحن على وشك افتتاح منفذ «جسطل/أشكيت/وادى حلفا» وسيتم افتتاح ميناء «أرجين/دُنجلة» ويلاحظ أن الأسماء كلها نوبية، لأن المنطقة نوبية. وقطعاً ستهتم الوزارات كلها بمشروعنا المتطلع جنوباً. وزارة الثقافة أولى الوزارات التى ستهتم، ففى حديث قريب لوزير الثقافة الدكتور جابر عصفور قال: (ونحن الآن نتوجه نحو أفريقيا، حيث اجتمعنا مع 33 سفيراً أفريقياً، لأن أفريقيا لها الأولوية، على خلاف الماضى) ومن منطلق السيد الوزير والحكومة كلها، يمكن حث تلك السفارات ووزارات الثقافة والإعلام بها، وعدد من فنانيها ليشاركوا معنا فى فكرة بيت أفريقيا، فهى تهمهم كما تهمنا، بل يمكن إنشاء بيت أفريقيا موازٍ لما سنبنيه فى مصر، بمثيل له فى بلد نيلى آخر. ما المانع؟ أكيد سنجد ترحيباً. نعود لوزارة الثقافة المصرية، فمثلما يوجد فى القاهرة المجلس الأعلى للثقافة فى مكان متسع به الأوبرا وقاعات الموسيقى والفن التشكيلى إلخ، والمكان بحق منبع ضوء معطاء، أرى أن تكون بمنطقة بيت أفريقيا مكان مماثل وإن كان تخصصه الجنوب الكلى وربطه بالشمال. أما وزارة التعليم العالى، فعليها بناء جامعة أهم كلياتها كلية الألسن الأفريقية. وكلية طب المناطق الحارة المتخصصة فى الأمراض المتوطنة بأفريقيا. وكلية الزراعة المتخصصة فى نباتات وأشجار المناخ الأفريقى الجنوبى، ومعهد أو كلية تقوم على دراسة وتنمية بحيرة النوبة. وكلية آداب متخصصة فى دراسة شعوب الجنوب. جامعة الأزهر تبنى كلياتها المفتوحة لأبناء جنوب مصر وطلبة أفريقيا الوافدين بدلاً من زحام القاهرة. الكنيسة لها مكانها ودراساتها التى تراها. فى الإسكندرية يوجد معهد «أبوقير»، وطلبته من مختلف الدول العربية والأفريقية، فى بيت أفريقيا يتم بناء معهد مماثل. هل مستحيل علينا أن يكون لنا وادى السليكون المصرى الأفريقى داخل حدودنا الجنوبية؟ فلتكن تلك المنطقة أهم منطقة تعليمية حديثة فى أفريقيا. منطقة تجلب نوابغ شباب أفريقيا يأتون إلينا ويعودون لبلادهم أكثر علماً وأعمق حباً لمصر، فيكونون هم خط الدفاع الأول لنا، يكونون هم والاقتصاد المشترك من أهم القوى الناعمة المصرية. يكونون هم مع شعوبهم الضامنين لنا أن تتدفق مياه النيل بسلاسة تجاه دولة المصب، مصر. هل هذا صعب على عقولنا المصرية؟ بيت أفريقيا ليكون ناجحاً يجب الاستعانة بعلماء التخطيط، لا نترك التخطيط لموظفين مهما حاولوا إرهابنا بمناصبهم التى نالوها بحكم الأقدمية. يكفى الخراب الذى فعلوه فى مدينة «أبوسنبل» المعمار، صار هناك سمك لبن تمر هندى. مبنى حكومى حديث النمط على بعد مرمى حجر من المعبد! تجمعات سكنية كل منها قبيح سقيم! بناء للأهالى وكل واحد يشذ بمزاجه. المحاور الأساسية للمنطقة أربعة: 1- النوبة وتاريخها وثقافتها المعمارية خاصة مع وجود النوبيين. 2- المعبد الثنائى الفريد من نوعه رمسيس/نفرتارى واحتفالات تعامد الشمس. 3- البحيرة النوبية الشاسعة، 4- إمكانات المنطقة المستقبلية من اقتصادية وتجارية هائلة. من هنا أهمية التخطيط العلمى الشامل. فالمعمار معمار نوبى أفريقى جنوبى، وأفكار الموهوب المهندس حسن فتحى موجودة، وتلامذته موجودون وعلى أهبة الاستعداد للعمل. بالإضافة لوجود الطريق المسفلت والمطار والبنية التحتية المعقولة. ولأن المكان مصرى/أفريقى، فيراعى وجود الجنوب الأفريقى، فيقام ميدان باسم مانديلا، وآخر باسم نكروما وكينياتا، أو ما يماثلهما. شوارع بأسماء البلاد الأفريقية وأهمها باسم بلدان حوض النيل وأشهر الشخصيات الأفريقية، مثل نيريرى. مكتبات باسم الحاصلين على نوبل، نجيب محفوظ، وسوينكا ونادين جولدماير. وأهم أدباء أفريقيا، مثل ليوبولد سنجور والفيتورى وغيرهم، وتكون للحضارات الأفريقية وجود ما، مثل مدينة تومبكتو الشهيرة.