معركة الأمعاء الخاوية التي يسيطر عليها أصحابها، تناضل في وجه الأبواب المغلقة، إما أن تنجح البطون أو يفشل النظام في إنقاذها، يلبث معتقل الرأي داخل الزنزانة التي تفشل أن تحتويه رغم ضيقها، لا يجد متنفسا للحرية، يرفض الطعام الذي تقدمه له إدارة السجن، كما يرفض طعام ذويه، فقد قرر فجأة تحت وطأة حالته النفسية المتردية أن يعلن رفضه للسجن، رفضه للظلم الذي وقع عليه، رفضه أن يعاقب لأنه باح برأيه يوما ما. أشهر إضرابات المعتقلين السياسيين كانت ما حدث للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي عام 2012، حينما أعلن ما يقرب من 1800 معتقل إضرابا جماعيا عن الطعام، لعدة أهداف، أهمها السماح بالزيارات العائلية، والإفراج عن 320 معتقلا إداريا من أصل 4.386 معتقل بالسجون، وأخيرا إنهاء تمديد السجن الانعزالي، بدأ الإضراب في فبراير، واستجابت السلطات الإسرائيلية لمطالبه في مايو من نفس العام، حينما وافق المضربون على تناول الطعام بعدما خضعت لهم إسرائيل، بوساطة مصرية أردنية. سجل التاريخ أيضا إضراب المناضل الهندي المهاتما غاندي، عن الطعام عدة مرات، في سجون بريطانيا، أعوام 1922، و1930، و1933، و1942، والتي سعت لفكه حتى لا تلتصق بها تلك التهمة لما يتمتع به غاندي من شعبية وشهرة عالمية، حيث كان غاندي قائد حركة استقلال الهند، ويعد الأب الروحي لمقاومة الاستبداد الإنجليزي، وأصبح غاندي فيما بعد ملهما للساسة لنجاحه في العصيان المدني السلمي الشامل، الذي أدى لتحرر الهند فيما بعد. 140 يوما من إضراب عبد الله الشامي، مراسل قناة الجزيرة، عن الطعام كانت كفيلة لخروجه من السجن، فقد كان عبدالله مثل زملاء مهنته يؤدي عمله في الشارع أثناء فض ميداني رابعة العدوية والنهضة، لكنه تم القبض عليه على خلفية القضية المعروفة إعلاميًا ب"فض اعتصام رابعة"، وجاء في بيان النائب العام المصري هشام بركات، أنه تم الافراج عن 13 متهما بينهم عبدالله لظروفهم الصحية، ليسجل الإضراب نجاحا جديدا لمن ينتهجه في وجه السجون. دخل اليوم علاء عبدالفتاح الناشط السياسي، الذي نشأ بين أسرة تمارس أفرادها السياسة، في إضراب عن الطعام، بعدما زار والده، أحمد سيف الإسلام، في المستشفى إثر دخوله بسبب وعكة صحية، وكان علاء قد حكم عليه بالسجن 15 عاما، بسبب مخالفته لقانون التظاهر، ويعتبر الحكم ملغى لأنه كان غيابيا، ويعد علاء مسجونا احتياطيا، لحين البدء في إجراءات إعادة المحاكمة. ينظر علاء مصيرا مجهولا، مثلما هو حال محمد سلطان، الذي أضرب عن الطعام منذ 206 أيام، اعتراضا على حبسه احتياطيا لفترات طويلة، ويعيش سلطان على محاليل الملح فقط، وأدى هذا الأمر إلى تدهور صحته بشكل كبير، فقد حدث تضرر بالغ لوظائف الجسم، وانخفاض عدد ضربات القلب، وهبوط في الدورية الدموية، وجلطات رئوية، وتسمم نتيجة نسبة الدواء العالية، جميها ظروف صحية أجبرت إدارة السجن على نقله إلى وحدة العناية المركزة بمستشفى المنيل الجامعي. تتنوع نتائج الإضراب عن الطعام، التي تعد وسيلة سملية تماما للاعتراض، وإبداء الغضب، وتؤدي في الغالب إلى شعور بالذنب، وتكون عن طريق الامتناع عن الطعام الصلب فقط، وليس السوائل للحفاظ على الحياة، وكانت تلك العادة قد بدأت في أيرلندا، ويضرب الشخص عن الطعام أمام منزل الجاني، ليشعره بالذنب، ولأن عدم إطعام المضرب يعد جريمة بشعة آنذاك، ويكون عادة الإضراب لاسترداد الديون أو تحقيق العدالة، ولم يسجل التاريخ حالات وفيات جراء الإضراب، وإنما في الغالب ينتهي بشكل ودي.