أقفُ الآن فوق رمال لن تكون موجودة بعد شهور قليلة، أقفُ الآن فوق صفحة ماء تتكوَّن الآن فى رحم الأرض، لتولد من باطنها بعد شهور قليلة فتغدو حلماً مصرياً رسمته عقولٌ نابهة، وواقعاً جميلاً صنعته سواعدُ عفية، ومستقبلاً آمناً لأجيال مقبلة ستقفُ بفخر تقول: هذا صنعه أجدادى المصريون العظماء. اليوم الاثنين 11 أغسطس 2014، أكتبُ لكم من الإسماعيلية، أنظر من نافذة باص يحمل شارة حركة «تمرُّد» مع مائة من أولئك الشباب الوطنى الواعد، الذى ساهم فى كتابة حاضر مصر الحر، والسفير محمد العرابى وزير الخارجية الأسبق. نمرُّ الآن بالمعدية رقم (6) لنعبر قناة السويس، لنصل إلى أرض مشروع قناة السويس الجديدة، عند الكيلو 60، ترقيم قناة، حيث أقفُ الآن. اتصل بى بالأمس صحفى من مجلة «الكواكب» يسألنى: كيف سيتناول الشعراءُ والأدباء ذلك المشروع إبداعياً؟ وأقول له الآن: إن أى قصيدة، مهما بلغت من جمال وبراعة صوغ، غيرُ قادرة على رسم الصورة على نحو شعرى أكثر من زيارة المشروع ورؤيته رأى العين، هنا قصيدة حية تحكى كيف يبدأ حلمٌ فى التحقق فور الحلم به؛ كيف تبدأ السواعد المصرية فى العمل والحفر والبناء، فور توقيع القرار بخاتم جمهورية مصر العربية، وتصديق الرئيس وصنَّاع القرار، كيف تمرُّ الثوانى والدقائق والساعات والأيام لترسم وجهاً آخر لخريطة مصر الجديدة، كيف تتولد قناة مائية باشَّة مشرقة فى صحراء جافة عبوس، كيف تتخلَّق فوق الرمال الصفراء صفحة من المياه الصافية المتلألئة ستحمل عما قريب سفناً عملاقة تجوب مصر شمالاً وجنوباً، فيشكرنا العالمُ الذى سيفيد من حلمنا وجهدنا الثرى. كنت على شاشة القناة الأولى فى برنامج «صباح الخير يا مصر»، أتحدث عن مشروع القناة، وعلَّقت على المثل الفولكلورى الشهير «يوم الحكومة بسنة» قائلة: «لكن يوم القوات المسلحة بساعة واحدة». هذا الجهاز السيادى المنضبط يعرف قيمة الزمن، ويقدِّس العمل ويقدس النظام، فحين يقول سأنجز هذا الكوبرى أو ذاك الطريق فى شهر، تعرف أنه يعرف ماذا يقول، وتذهب بعد شهر فتجده أنجز ما وعد، لهذا فأنا على تمام الثقة بأن مشروع قناة السويس سيُنجَز فى موعده، وسوف تظهر بشائر الماء على صفحة هذه الرمال بعد شهرين من الآن، كما وعدنا العميد «حسن السيد العراقى»، وهو يشرح لنا طبيعة المشروع العملاق؛ قال: «اليوم 11 أغسطس، تعالوا يوم 11 أكتوبر لتشاهدوا الماء وقد ظهر فى عمق الرمال». 4000 معدَّة ما بين لودر وحفَّار وسيارة نقل وقلَّاب، ونحو 12 ألف عامل ما بين مقاول ومهندس وعامل حفر وغيرهم. ورغم أننى خريجة كلية الهندسة وعيناى مدربتان على قراءة اللوحات الهندسية والخرائط المساحية، فإن رؤية المشروع على الطبيعة شىء آخر يشبه السحر، ويملأ القلب بالفرح بمصريتى وبالفخر بجيشى العظيم، حين تقع عيناى على الشارة المعلقة على صديريات رجالنا هناك مكتوب عليها: «الجيش المصرى». كأن لدينا خط سكة حديد فى اتجاه واحد من القاهرة إلى الإسكندرية، حينما يسير قطارٌ من الجنوب إلى الشمال، فيقابله قطارٌ آخر مقبلٌ من الشمال إلى الجنوب ماذا يفعل القطار الأول؟ عليه الانتظار فى تجويف جانبى ما، حتى يمرَّ القطار الثانى، علينا إذن أن نصنع خطاً جديداً لتسير عليه القطارات الآتية من الاتجاه المعاكس، لكيلا تتعطل حركة القطارات، ونوفر زمن الانتظار. تلك هى فكرة مشروع القناة الجديدة ببساطة، نصنع فى أماكن اختناق القناة مساراً جديداً يمنع انتظار السفن فى البحيرات الجانبية، حتى تمرَّ السفن المقبلة من الاتجاه المعاكس، ونعمِّق الأماكن الضحلة لتستوعب مرور السفن العملاقة ذات الرواسى الضخمة. فبدلاً من مرور 49 سفينة كل يوم كما يحدث الآن، ستسمح القناة الجديدة بمرور 97 سفينة يومياً حينما تنتهى أعمال الحفر والتبطين بعد عام واحد من الآن، بإذن الله. شكراً جيشنا العظيم، وشكراً يا مصر الطيبة.