لم يشأ الرئيس السيسى أن يضيع وقتا. المشروع الأساسى العظيم لتطوير محور قناة السويس أمامه بعض الوقت ليدخل حيز التنفيذ. بعد الإعلان عن الاستشارى الذى سيتولى الإشراف على المشروع وتوقيع العقود معه سيكون أمامنا فترة لا تقل عن ستة أشهر لاستكمال الدراسات تمهيدا لانطلاق العمل. مع العلم بأننا لن نبدأ من الصفر بل سنبدأ من ركائز ثابتة تتمثل فى المرافئ المهمة والمؤسسات الفاعلة التى تعمل بالفعل وتنتظر التطوير. لم يشأ الرئيس السيسى أن يضيع الوقت، فكان القرار بالبدء فورا فى مشروع قناة السويس الجديدة ليحقق عدة أهداف فى ضربة واحدة: ■ يضاعف المشروع عدد السفن التى تمر بالقناة، ويضاعف أيضا حجم وسعة هذه السفن، حيث كان عمق القناة لا يتيح لبعض السفن العملاقة المرور منها. ■ يضرب المشروع أى مشروعات حقيقية أو وهمية للتقليل من أهمية القناة وأولها ما كانت تفكر فيه إسرائيل من إنشاء طرق بديلة. ■ يضاعف المشروع دخل مصر من القناة، وفى نفس الوقت يختصر الزمن ويقلل النفقات بالنسبة إلى السفن العابرة، ويسهم فى تنشيط التجارة العالمية. ■ يضع المشروع أمام مخططى الحلم الكبير بتطوير محور قناة السويس وضعا جديدا يبنون عليه حساباتهم. حيث إمكانيات القناة تتضاعف، والسفن العابرة كذلك وحيث يكون الطلب على الخدمات أكبر، ونصيب مصر من التجارة العالمية فى ازدياد مطرد. بمعنى أدق: نقطة الانطلاق أمام مخططى مشروع تنمية قناة السويس ستكون أرحب بكثير، والإمكانيات التى سنبدأ بها ستمنحنا القدرة على أن تكون خطواتنا فى التنفيذ أسرع وأكثر نجاحا. ■ نقطة مهمة أيضا لم تُلقَ عليها الأضواء الكافية، وهى الإعلان عن مجموعة جديدة من الأنفاق التى تربط الوادى بسيناء والتى ستتكلف ما يماثل تكلفة حفر القناة الجديدة، ويتم الإعداد لكى تنفَّذ بأيدٍ مصرية. هذا إنجاز لحلم طال انتظاره، الربط الكامل بين سيناء والوادى ليس فقط ضرورة للتنمية ولا جزءا أساسيا فى مشروع محور القناة.. ولكنه -فوق ذلك كله- ضرورة وطنية واستراتيجية بعد كل ما عانيناه من عزلة سيناء لسنوات طويلة بفعل عوامل فُرضت علينا أحيانا، وأخطاء ارتكبناها نحن فى أحيان أخرى. ■ ويبقى الأهم فى الحدث الكبير استنهاض الروح الوطنية كهدف هو الأسمى فى حد ذاته، وتركيز الرئيس السيسى على أننا سنقيم المشروع بأيدينا، وسنموله ذاتيا، وسنحفره بسواعدنا التى حفرت القناة الرئيسية والتى بنت السد العالى. استنهاض الروح الوطنية هو السلاح الأساسى فى معارك الأمم الكبرى ونحن فى معركة صعبة نحارب الإرهاب والتخلف بيد، ونبنى الوطن الذى نريده باليد الأخرى. استنهاض الروح الوطنية هو الذى جعلنا ننتصر فى معركة استعادة قناة السويس ثم فى معركة إدارتها، وهو الذى مكننا من بناء السد وقلاع الصناعة، وهو الذى جعلنا نصمد فى أصعب الأوقات ونتحدى الهزيمة ونخوض حرب الاستنزاف ثم نحقق العبور العظيم فى أكتوبر. بالأمس، ومع انطلاق المشروع الجديد من قلب قناة السويس، كان هناك قبس من هذه الروح الوطنية العظيمة.. كيف نرعاها ونحافظ عليها؟! هذا هو السؤال!