نقولها بصراحة.. نعم هناك فى مصر من يعتبر أن «حماس» أخطر على مصر من إسرائيل، وأن الإخوان أكبر خطر عنصرى يهدد المنطقة منذ الحروب الصليبية!.. وقبل أيام أثار مقال لناشط سياسى ضجة بين أوساط الإسلاميين والعروبيين، حينما وضع له عنوان «إسرائيل ليست هى العدو..»! هاجت الدنيا، واشتعلت التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعى، وكان أقل ما وصفوا به الرجل أنه عميل وخائن للقضية! والمحزن أنك إذا سألت هؤلاء عن أى قضية بالتحديد يدافعون ، فإنك لن تسمع إجابة واحدة.. قضية فلسطين.. قضية القدس.. قضية غزة! والحقيقة أنها كلها لم تعد نفس المسميات للقضية، التى نعرفها منذ اغتصاب الصهاينة لأرض فلسطين عام 1984، «القضية» أصبحت منذ هزيمة 1967 الساتر الذى يتخفى وراءه كل اللاعبين والمتآمرين المتصارعين فى المنطقة، وهى أحياناً تكون قضية من يريد نفوذاً، أو من يسعى لدور، ومن يحاول تقويض نفوذ قوة إقليمية، ومن يريد تثبيت أركان حكمه، ومن يبحث عن شعارات ثورية تخفى أهدافاً فاشية استبدادية!. ومن بعد وفاة «عبدالناصر» تحولت «القضية» إلى «سبوبة» لمنظمات ومؤسسات وسماسرة فى السياسة والصحافة والإعلام من القاهرة لبيروت ولندن وباريس! وقضية فلسطين ياسر عرفات لم تعد هى قضية فلسطين دحلان وصائب عريقات وجبريل الرجوب! وقضية غزة التى يحكمها أمراء «حماس» إسماعيل هنية وخالد مشعل ليست هى فلسطين محمود عباس فى رام الله، والقضية فى مفهوم السعودية هى «القدس» وفى مفهوم إيران هى جزء من الصراع الإقليمى على الدور والنفوذ وإحدى أوراق اللعب مع أمريكا وإسرائيل! وقضية القدس بالنسبة للمسلم الماليزى ليست هى قدس المسلم الإخوانى الذى يعتبرها شماعة للوصول للحكم وإسقاط الأنظمة!.. وعندما تحولت فلسطين إلى قضية دينية وتم اختزال قضية التحرر الوطنى ونضال شعب ضد الاحتلال إلى جهاد إسلامى لتحرير المقدسات من أيدى «اليهود» ضاعت القضية وجرى تقطيع جسدها بين السنة والشيعة والعلويين والدروز والأكراد شمالاً والحوثيين جنوباً، ولم يعد للقضية متحدث وحيد باسمها اسمه منظمة التحرير الفلسطينية ولكن أصبح لها عشرات الناطقين المدعين حق التوكيل الحصرى لتسويقها محلياً وإقليمياً ودولياً! وأصبح لفلسطين من الداخل رأسان.. منظمة تحرير.. وحركة مقاومة إسلامية (حماس) تتفرع منها رؤوس أخرى صغيرة، جهاد إسلامى، ونصرة القدس، وأجناد بيت المقدس.. إلى آخر فروع الأخطبوط الأكبر بالمنطقة (الإخوان)!.. أما فى الخارج فالمتحدثون باسم القضية كثيرون، أبرزهم قطر وتركيا، وليست مصادفة أن يكون الاثنان هما فى الوقت نفسه أهم حلفاء إسرائيل فى المنطقة وأقوى رعاة للتنظيم الدولى للإخوان وأكبر مؤيدى نظامهم الساقط فى مصر والمدافعين المحتضنين لفلول الإخوان الهاربة من مصر!. أما الذين يعتبرون «حماس» وأخواتها.. «القاعدة وداعش وأنصار بيت المقدس والتنظيم الأم الإخوان» أخطر من إسرائيل على مصر والمنطقة فهم فى الحقيقة ضحايا المشهد الدامى والمعقد فى فلسطين وما حولها، وهم معذورون عندما يرون أن الجميع ركب القضية ما عدا أصحابها الأصليين، وأن كل هؤلاء المتآمرين على المنطقة، دولاً وجماعات إرهابية، يشتركون ويتواطأون ويمولون عمليات قتل الأبرياء فى مصر وفى غيرها.. ثم يرتدون فى النهاية عباءة الثوار والمناضلين ويتهمون مصر بالخيانة وبأنها باعت «القضية»!.. فهل من العدل أن نحكم بالإعدام السياسى ونجرد من الوطنية كل من يرى «حماس» العدو الأول وأن من وراءها أخطر من إسرائيل.. فى حين يرتدى عباءة النضال والشرف تجار النخاسة الحقيقيون الذين باعوا القضية من زمان برخص التراب؟!