عندما لا يقرأ الرئيس السيسى من ورقة أمامه يكون فى أفضل حالاته.. تلقائياً وقريباً من الناس. اللغة الفصحى المكتوبة له تضع حاجزاً بينه وبين الذين ارتاحوا لبساطته ولطريقته الحميمة من القلب إلى القلب، ولكنى أخشى أن تكون «التلقائية» أحياناً سبباً فى إطلاق وعود وشعارات حماسية مفاجئة ترفع سقف توقعات الناس وعند التنفيذ نكتشف كالعادة أن الفيل قد تحول إلى نملة! وربما لهذا السبب أقول للرئيس السيسى من فضلك لا تكرر حكاية «المفاجأة» التى أعلنت عنها فى خطابك الأخير بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو. إن قصة المصريين مع «مفاجآت» حكامهم لم تكن فى أغلبها قصصاً ممتعة بل كانت صادمة فى أحيان كثيرة من أول سيارة «فشنك» تصنعها مصر قبل نصف قرن وحتى «الرخاء» الذى وعدنا به الرئيس السادات إلى المشروع القومى للقضاء على الأمية فى أربع سنوات أيام مبارك والمشروع الضخم لتوطين ثلاثة ملايين مصرى فى سيناء.. إلى آخر «المفاجآت» التى كانت طبول الأنظمة فى الإعلام تزفها للمواطنين.. لينتهى الأمر إلى لا شىء تماماً مثلما حدث مع المشروع النووى المصرى الذى لم يتوقف الحديث عنه منذ أيام عبدالناصر حتى غرقنا فى الظلام!! ولو كانت المفاجأة قد تحققت بمحطة نووية صغيرة لإنتاج الكهرباء ما كنا وصلنا إلى ما انتهينا إليه بعد نصف قرن من «المفاجآت»!! لم أكن أتمنى أن يتحدث الرئيس السيسى عن «حدث كبير» ثم لا يفصح عنه ليفتح الباب لطوفان من التوقعات فى الشارع وفى الصحافة عن ماهية المفاجأة الكبيرة التى وعد بها الرئيس شعبه وهل هى يا ترى إعلان الاتحاد بين مصر والسعودية والإمارات أم انضمام مصر لمجلس التعاون «الخليجى» لتصبح مصر أخيراً دولة خليجية بحمد الله أم أن المفاجأة هى تشغيل مليون شاب عاطل بمشروع سحرى هائل سيقضى على البطالة بين يوم وليلة.. أم أنها صفقة كبرى تعود بها روسيا لمصر من بوابة استصلاح الأراضى وعبر مشروع زراعى ضخم يزيد من رقعة الأراضى الزراعية كما توقعت إحدى الصحف.. أم أنها أيضاً ستكون حول المشروع النووى والضبعة؟ وتوالت التوقعات حتى نشرت الصحف أن الرئيس السيسى ربما يعلن توحيد العملة المصرية بالعملات الخليجية فيصبح الجنيه ديناراً أو ريالاً بقدرة قادر!! والعجيب فى كل هذه التوقعات أنها ربما تدخل فى إطار الخيالات أو أحلام اليقظة وليست فى باب المفاجآت أو حتى المشاريع قابلة التحقيق السريع، فالمفاجأة من طبيعتها أنها حدث لحظى يحدث اليوم أو غداً، ولكن «المشروع» له توقيته ومداه الزمنى ومراحل تنفيذه، وهنا فهو يصبح جزءاً من الطموح الوطنى أو خطة الدولة ولا يجب أن يكون مفاجأة لأحد!! موظف غلبان قال لى: ياريت المفاجأة تكون إلغاء مصاريف مدارس العيال السنة دى أو يزودوا المرتب 500 جنيه مثلاً لمواجهة نار الأسعار! أما لو كان الرئيس السيسى يقصد بالمفاجأة إحياء مشروع توشكى أو بدء مشروع محور قناة السويس أو حتى إطلاق مشروع فاروق الباز القومى الكبير ممر التنمية، فهذا كله عظيم وهو رصيد هائل للأجيال المقبلة ولكنه ليس بمفاجآت.. المفاجأة هى شىء يحدث على غير المتوقع، ويا سيدى الرئيس إذا أردت أن تفاجئنا.. فاجئنا على غفلة ولا تتركنا نتوقع ونخمن ونحلم ونرفع سقف الأحلام.. وإذا جاءت المفاجأة فى النهاية على غير ما توقعنا.. نزعل.. فأرجوك خليها ماشية كده.. ولا تفاجئنا!!