كان من المهم أن نتساءل: لماذا صنع هؤلاء هذا الفيلم المسىء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؟ حتى نستطيع من خلال الإجابة عن هذا السؤال أن نحدد المسار الذى نسير فيه ونرسم خارطة الطريق التى نسترشد بها عند كل حادثة مشابهة إذا كنا بالفعل نريد أن نرد على هؤلاء وأمثالهم بما يستحقون، دون أن نتكبد الخسائر الفادحة على المستوى الأخلاقى والإنسانى والدولى، وفى نفس الوقت ننتصر لنبينا وديننا انتصارا يرضى الله ورسوله، وأعتقد أن معظمنا يعرف الإجابة عن هذا السؤال، فمعظمنا يعرف أن الهدف الأساسى من صناعة هذا الفيلم هو الوقيعة بين المسلمين والمسيحيين فى مصر وإحداث فتنة طائفية تتبعها تدخلات أجنبية بحجة الدفاع عن الأقليات وحمايتهم ثم المناداة حين ذلك بتقسيم مصر انطلاقا من هذا الغرض وهو (حماية الأقليات). وإذا كان هذا هو المقصد والمأرب لهؤلاء فالموضوع حينئذ بعيد كل البعد عن الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما هم يتخذون الإساءة إليه سلما للوصول إلى مقصدهم لتأكدهم من غيرة المسلمين على دينهم ونبيهم بل وعلى كل الأنبياء والكتب السماويه لأنها ركائز الإيمان عندنا. وتأكدهم كذلك من أن هناك من قد يتطرف فى عصبيته للرسول فيخرج عن سياق الرد الإسلامى وأن هناك أيضاً من سيستغل الحدث لإحداث حالة من الفوضى بغرض مكاسب سياسية أو حزبية أو الانتقام من النظام الحاكم. وهذا بالفعل ماحدث. ففى الوقت الذى كنا نعرف فيه الأهداف من وراء هذا الفيلم ونعرف أغراض صانعيه كما نعرف أبناءنا جاءت (وللأسف) ردودنا مختلفة تماما عما كان يجب علينا فعله، فبدلا من أن نغض الطرف عن الفيلم أساسا حتى لايشاهده أحد فيموت، أخذا بقوله صلى الله عليه وسلم عن الفتنة (اقتلوها بالسكوت)، ساهم بعضنا (بقصد أو دون قصد) فى عمل الدعاية الإعلامية المجانية لهذا الفيلم (المقزز) مما ساهم فى زيادة نسبة مشاهديه إلى درجة أكبر بكثير مما توقعه صانعوه، وبدلا من أن يخرج علماء الدين الأجلاء الذين يثق فيهم الناس ليبينوا لهم سوء نية صانعيه وما يهدفون إليه ويبرئون إخواننا المسيحيين فى مصر من أى اتهام قد يتهمهم به البعض رأينا من خرج ليمزق الإنجيل فى مشهد نرفضه جميعا بل وحاول بعض الدعاة إلصاق المشكلة بالمسيحيين بهدف الفتنة الطائفية، ثم شاهدنا بعد ذلك من كان يهاجم السفارة الأمريكية ويرمى رجال الشرطة المصرية بالحجارة فى مشهد مأساوى عجزت عن تفسيره من باب (نصرة النبى)، حيث لا مبرر لذلك أبدا إلا أن يكون الهدف هو الفوضى وما (النبى) صلى الله عليه وسلم إلا (سلم) للوصول إلى هذا الغرض فى العلاقة بين الهجوم على السفارة ورمى رجال الشرطة بالحجارة وجرح (العشرات) منهم وبين نصرة النبى صلى الله عليه وسلم. وأخيرا.. ماذا بعد كل ما فعلناه؟.. هل نصرنا (النبى) حقا؟ هل جاء ردنا على من صنع الفيلم بما يستحقه أم أننا ساهمنا ولو دون قصد فى تحقيق جزء مما كانوا يهدفون إليه؟ وهل سيكون هذا هو حالنا عند تكرار الأزمة ولو بشكل مختلف فى الإساءة إلى رسولنا الكريم؟ أعتقد أننا بحاجة إلى دراسة أحوالنا وأنفسنا ومراجعة مواقفنا، واتفاقنا على استراتيجية أخرى نتعامل بها مع الآخرين فى مثل هذه الأزمات، حتى لا تتكرر الأخطاء.