«أقترح على سيادة الرئيس السيسى أن ينشئ وحدة للتواصل الشعبى تابعة لرئاسة الجمهورية تجوب المحافظات بشكل دورى بالتعاون مع المحافظين لشرح قرارات وتوجهات الدولة، وحقيقة التحديات التى تواجهها للحفاظ على شعور قومى داعم للمصالح الوطنية». هناك تعريفات متعددة لمصطلح الرأى العام، ومن أبسط هذه التعريفات أنه هو: تكوين الشعب أو غالبيته رغم التباين العقدى أو الطبقى أو الثقافى أو الاجتماعى بينه، لفكرة أو حكم على موضوع معين من الموضوعات الجدلية التى تحتمل وجهات نظر مختلفة أو لمشكلة جدلية أو تجاه شخص ما، وهناك عوامل كثيرة تؤثر فى تكوين الرأى العام، منها العوامل الحضارية للشعب من تاريخ وثقافة وقيم وعقائد دينية، ومن أهم هذه العوامل قادة الرأى فى المجتمع، فهؤلاء لهم دور أساسى فى تكوين الشعور القومى أو الرأى العام والتأثير فيه باعتبارهم على دراية بمطالب أفراد المجتمع وآمالهم وتكوينهم، كما أن لديهم عادة معرفة وخبرة ودراية كبيرة موثوق بها بالمسائل والقضايا التى تخص الشأن العام بما يمكنهم من تبنى موقف معين تجاه هذه القضايا والمشاكل، ثم يصدرون هذا الموقف إلى المجتمع، ومن ثم يؤثرون فى تكوين الشعور القومى. وتتمثل أهمية وخطورة تكوين الرأى العام فى أنه يحكم بشعوره القومى دائماً ويحدد سلوكيات الشعب وتفاعله مع الأحداث سواء بصورة إيجابية أو سلبية. والمراقب للرأى العام خلال الثلاث سنوات السابقة يلاحظ أنه عانى من الاضطراب الشديد الذى جعل الشعب فى بعض المواقف يتردد أمام العمل لخيره ولمصالح بلادنا، ولعل فى قضية قرارات تخفيض دعم الطاقة خير مثال على ذلك فنحن جميعاً نعلم أن هذه القرارات حتمية ويبررها الوضع الاقتصادى الخطير الذى يواجهه بلدنا، بل ونعلم جميعاً أنها جاءت متأخرة، وأنه كان يجب اتخاذها من سنوات طويلة، ولكن الحكومات المتعاقبة لم ترغب فى مواجهة ردود الفعل الشعبية التى قد تحدث نتيجة لاتخاذ مثل هذه القرارات، وفضّلت الحفاظ على شعبيتها بدلاً من حماية مصالح الأمة فلم تتخذها، وحمّلت الأجيال التى تليها الديون، والتراجع الاقتصادى الناتج عن عدم اتخاذ إجراءات لترشيد الدعم، وعلى الرغم من ذلك عندما اتخذ الرئيس السيسى ما يجب عليه اتخاذه من قرارات لترشيد الدعم حفاظاً على مصلحة الشعب وإنقاذاً للاقتصاد الوطنى، ولم يلتفت لبعض الأصوات السياسية المعتادة التى تتكلم عن تأثر الشعبية كما ذكر فى خطابه للأمة فى ذكرى العاشر من رمضان، لاحظنا أن هناك اضطراباً فى الرأى العام تجاه هذه القرارات، وهذا الاضطراب نتج بدايةً لما تعانيه نخبتنا من اضطراب فى أدائها معظمه ناتج عن عدم التجرد للمصلحة الوطنية، وبالتالى وجدنا بعضهم يزايد على هذه القرارات حتى يظهر كمدافع عن حق الفقراء، وهو فى الحقيقة يتاجر بمصالح الفقراء حتى يخدم نفسه، بالإضافة إلى أن بعض النخب لها ارتباط ببعض رجال الأعمال وأصحاب المصالح الذين لم يعجبهم قرارات تعديل ضرائب الدخل، وقرار الحد الأقصى للأجور، وفكرة التحفيز على تبرع الأغنياء لصندوق تحيا مصر، فقاموا بتحريك من يتبعهم من نخب مزعومة لتقوم بتحريك شعور قومى رافض لقرارات ترشيد الدعم بدعوى حماية الفقراء. ومما أحدث أيضاً اضطراباً فى الرأى العام تجاه قرارات ترشيد الدعم وجود جماعة الإخوان الإرهابية التى تحارب مصر وشعبها تماماً كما يفعل ألد الأعداء، فهذه الجماعة الخائنة تتحرك دائماً بآلية «تصدير القلق»، وهى آلية تعتمد عليها الجماعة الإرهابية ومن يعاونها فى تكوين رأى عام يخدم مصالحها ويهدم مصالح الوطن، وتعتمد فيها على قلب الحقائق ونشر الشائعات وتضخيم وافتعال المشاكل وتشويه الأشخاص حتى تبنى عند من يصدقها من الشعب شعوراً سلبياً رافضاً لكل ما يخدم الوطن ويحميه وتعتمد على آلتها الإعلامية الضخمة، وفى مقدمتها الجزيرة، ورابعة، والشروق بالإضافة إلى تنظيمها المنتشر على الأرض فى الجامعات والمساجد والنوادى والمدارس والجمعيات الأهلية، فضلا عن كتائبها الإلكترونية التى نشرت أكاذيب حول قرارات ترشيد الدعم وكونت عند بعض الشعب مشاعر سلبية تجاهها. ومن أسباب اضطراب الرأى العام عدم وجود تنظيم سياسى وطنى حقيقى بقواعد شعبية منتشرة على الأرض توجّه الرأى العام، وتدافع عن الإجراءات، والقرارات التى تخدم المصالح الوطنية، وتحفز الشعب لأداء ما يجب عليه تجاه نفسه ووطنه، ويتصدى لمحاولات تكوين الرأى العام السلبى بين أبناء الشعب سواء من الإخوان أو من غيرهم. هذا الاضطراب فى الرأى العام، والعوامل التى أدت إليه يحتم أولاً على الرئيس التواصل الدائم مع الشعب لشرح حقيقة الأمور، ومن فضل الله أن الشعب يصدق الرئيس ويؤمن بوطنيته وتجرده لمصالح الوطن، وخير دليل على ذلك تأثير خطابه للشعب فى ذكرى العاشر من رمضان، وشرحه للأسباب التى اضطرته لاتخاذ قرارات ترشيد الدعم، وحقيقة أن هذه القرارات الأصل فيها دعم الفقير، وتأكيده أن المسئولية تجاه الوطن مشتركة بينه وبين الشعب لمواجهة التحديات، هذه الكلمات من الرئيس هدمت كل محاولات الإخوان وغيرهم لتكوين شعور قومى يؤدى إلى أحداث تشبه أحداث سنة 77، وأقترح على الرئيس السيسى أن ينشئ وحدة صغيرة للتواصل الشعبى تابعة لرئاسة الجمهورية تجوب المحافظات بشكل دورى بالتعاون مع المحافظين لشرح قرارات وتوجهات الدولة، وحقيقة التحديات التى تواجهها للحفاظ على شعور قومى داعم للمصالح الوطنية، كذلك يجب على الحكومة أيضاً التواصل الدائم مع الشعب والحديث بشكل محدد عن المخاوف التى ترد على الشعور القومى وكيفية مواجهتها. وفى الحقيقة لم أتكلم عن دور الأحزاب السياسية فى هذا الصدد لأنى مقتنع أنه لا توجد عندنا أحزاب بالمعنى الحقيقى فإلى أن تبنى الأحزاب نفسها، وتمتلك مقومات الحزب الحقيقى من كوادر، وآليات للتواصل مع الشعب، فمن العبث أن نطلب منها أن تؤدى شيئاً فى توجيه الرأى العام نحو ما يخدم الوطن، ففاقد الشىء لا يعطيه.