استكمالاً لما بدأته الأسبوع الماضى أقول إن فتح التحقيق فى اتهام أسرة عبدالحكيم عامر لجمال عبدالناصر وبعض قيادات جيشه باغتيال عامر مفيد، لأنه مدخل لفتح نقاش جدى عن أسباب هزيمتنا المشينة من إسرائيل فى عام 1967. الجيل الذى يتولى مواقع المسئولية فى مصر الآن هو الجيل الذى تفتح وعيه السياسى بعد هزيمة 1967، هو الجيل الذى نفض عنه نفسه الأحلام الناصرية ورفض الرواية الناصرية للهزيمة التى تضع المسئولية أساساً على عاتق المشير عامر. لكن هذا الجيل احتار أمام إجابتين أساسيتين عن سؤال الهزيمة. فالتيار الإسلامى فسرها ببعد الشعب المصرى أو دولته عن الله، لذلك فقد استحق الهزيمة. وكأن الإسرائيليين قريبون من الله أو كأنهم شعب الله المختار، لذلك نصرهم فى حربهم علينا. أما التيارات المدنية فقد فسرت الهزيمة بالديكتاتورية السياسية وبانغماس الجيش فى السياسة، وبضعفنا العلمى والتكنولوجى وبتفكيرنا الخرافى. هكذا لم نتفق على رواية عن الهزيمة نقولها لأبنائنا فى المدارس. وهكذا تظل كتب الدولة (الكتب المقررة) خالية من أى كلام جدى فى تفسير هزيمة 1967 التى تمر عليها مرور الكرام لكى تصل بسرعة إلى النهاية السعيدة.. حرب أكتوبر التى محت عار الهزيمة! من يظن أن حرب أكتوبر هى دليل على أن الجيش المصرى قد تجاوز تماماً الأسباب التى أدت إلى هزيمة 1967 واهم. أحد أهم أسباب الهزيمة كما يقول المشير عبدالغنى الجمسى بالنص فى مذكراته تمثلت فى «دخول القوات المسلحة فى الإصلاح الزراعى والإسكان والنقل الداخلى وأعمال مباحث أمن الدولة والسد العالى وأشياء أخرى كثيرة.. إن انتشار سلطة القوات المسلحة فى مختلف نشاطات الدولة أخرج القوات المسلحة أو قلل من اهتمامها بمسئوليتها الأساسية وهى إعداد القوات للقتال». (ص132) ألا تلخص عبارات الجمسى تلك واقع الجيش المصرى اليوم؟ ألسنا نشكو اليوم من انغماس الجيش فى الاقتصاد؟ هذا فى الوقت الذى بات واضحاً أن الجيش غير قادر على بسط سيطرته على حدود مصر الدولية، وهى الوظيفة الأولى لأى جيش فى العالم، بل نحن مهددون بانفلات الأمور تماماً فى سيناء. إحدى العقبات الأساسية فى مسعى فهم هزيمة يونيو هى مقاومة الجيش الإفراج عن ملفات الهزيمة لكى يدرسها باحثو وعلماء التاريخ. لقد بح صوت المؤرخ خالد فهمى فى المطالبة بإتاحة ملفات الهزيمة لدارسى التاريخ. ولكن لا حياة لمن تنادى. المشكلة كما يبدو هى أن الجيش فى موقف دفاعى تجاه هزيمة يونيو وهو يشعر أنه تم تحميله ظلماً مسئوليتها. عبارة حسنين هيكل تلخص التهمة.. هو يقول إن السلاح خذل السياسة فى 1967، بينما فى 1973 السياسة خذلت السلاح. ولكن فى حقيقة الأمر أن الذى خذل مصر فى 1967 لم يكن السلاح ولم يكن الجيش، ولكن النظام السياسى الذى وضع على قمة المسئولية مغامرون والذى ألقى بالجيش فى معركة غير متكافئة. الذى خذل مصر كان النظام التعليمى المصرى الذى يمد الجيش بعناصر ضعيفة علمياً تتربى على السمع والطاعة ولا تتحلى بروح المبادرة بينما النظام التعليمى الإسرائيلى يمد جيشهم بعناصر متعلمة تعليماً جيداً، عناصر تتربى على روح المبادرة والجدل. أى منهج علمى منصف يدرس هزيمة 1967 لا بد أن يصل إلى نتيجة أساسية وهى أنها هزيمة لمصر بمدنييها كما هى هزيمة لجيشها. يا قيادات الجيش. لا تخشوا من فتح ملفات الهزيمة. هزيمتكم هى هزيمتنا. وملفات هزيمتكم هى ملفات هزيمتنا. أفرجوا عنها. فهى مصدر هام لمعرفة أمراض مصر.