من خلال ابتسامة خبيثة، قال ميشو للدكتور أشرف: سؤال برىء يا حكيم: فلم يجب الدكتور أشرف وظل ينظر لميشو وكأنه لم يسمع السؤال. ضحك ميشو قائلاً: ولو.. وبرضه ح اعيد العبارة.. سؤال برىء يا حكيم ولن أتزحزح عنه. ونظر الدكتور أشرف باتجاهى وقد اتسعت ابتسامته، قلت: نجرب يا حكيم ومش حتخسر كتير. فقال الدكتور أشرف وهو يضحك: يا سيدى ولا نخسر، إنما اللى مش داخل دماغى ومصمم على موقفه هو عبارة برىء اللى مصمم عليها الأخ ميشو. قلت: نجرب فقال الدكتور أشرف: نجرب ما يجراش، اتفضل يا أستاذ برىء. فقال ميشو وهو يكتم ضحكة محشورة فى حلقه.. هو من صاحب عبارة «سوريا فى القلب» النحاس باشا ولا جمال عبدالناصر؟ قلت بدون تفكير: بيتهيألى جمال عبدالناصر. فقال الدكتور أشرف: لا ياعم أحمد الحكاية دى بالذات مافيهاش بيتهيألى وأنت سيد العارفين. فقال ميشو بلهجة شماتة: تسلم يا حكيم، فهمت يا كبير؟ ولا لسه محتاج شوية تفكير على ميه بيضا؟ قلت لميشو: فهمت يا رخم يا معفن على رأى حبيبه. قال الدكتور أشرف بلهجة يشوبها الحزن يمكن عشان إحنا عشنا تجربة محاولة اندماج لم يكتب لها النجاح مع الأسف. فقال ميشو: مع الأسف إزاى يا حكيم؟ وليه؟ هى لا سمح الله كانت ممكن تنجح. قلت محاولاً التهدئة. مش وقته يا ميشو. فقال بحسرة واضحة: آمال وقته ده ييجى إزاى وإمتى؟ قلت لميشو: غير الموضوع ماتبقاش رخم. ضحك ميشو بمنتهى المرارة وقال: ما إحنا بقى لنا سنين، كل ما نفشل فى تجربة نغير الموضوع بقى. قلت: آخر مرة عشان خاطرى. اغتصب ميشو ضحكة باهتة وهو يقول: عشان خاطرك يا عم أحمد وأنا متأكد أنها مش حتكون آخر مرة ولا حاجة. ضحك الدكتور أشرف وقال لميشو: دانت واد سماوى، الفاتحة للنبى أنت أوسخ من أوسخ جار سَوّ. فقال ميشو: أنا برضه يا حكيم ولا اللى خان حلفاءه الشيوعيين وسلمهم لزكريا محيى الدين أشهر جلاد فيكى يا مصر يا محروسة لمجرد أنهم اختلفوا معاه فى موضوع الوحدة مع سوريا وتنبأوا بفشل المشروع وقد فشل بالفعل. قلت للدكتور أشرف: ماتنساش أن الرفاق الشيوعيين كانوا فى حلف مع عبدالناصر بعد أن أعلنوا حل التنظيمات السرية والاندماج فيما يسمى بالاتحاد الاشتراكى. قلت: حصل. فقال الدكتور أشرف: إذن ماذا تنتظر من حاكم جاء إلى السلطة بانقلاب عسكرى أطلق عليه اسم ثورة 23 يوليو 1952. فقال ميشو: والإخوان أيضاً دخلوا فى حلف مع العسكر ضد الشيوعيين يعنى الخيبة مزدوجة ومع ذلك انقلب عليهم العسكر 1965 ولفقوا لهم قضية تنظيم مسلح ذهبت بزعمائهم عبدالقادر عودة ومحمد فرغلى ويوسف طلعت وسيد قطب من بعدهم إلى حبل المشنقة وزجوا بباقى أعضاء التنظيم فى السجون والمعتقلات المصرية التى كانت تشبه إلى حد بعيد سجون ومعتقلات النازى التى تحولت إلى ما يشبه الأساطير والروايات البوليسية. وضحك الدكتور أشرف قائلاً: لأ.. وشوف الروقان والإبداع العسكرى حين قرر الزعيم الخالد وضع الشيوعيين والإخوان المسلمين فى معتقل واحد بالواحات. قلت: تصدق يا حكيم إن عسكر بلدنا لو استخدموا هذا الذكاء الشرير ضد الكيان الصهيونى لكان اليوم فى خبر كان. وقال ميشو: فعلاً بس ده كان ممكن يحصل لو كان زوال الكيان الصهيونى هو قضيتهم المركزية كما يدعون الآن.. وهم كاذبون. قلت للدكتور أشرف: الواد ده بيفهم يا حكيم. ضحك وهو يقول: ده ابن حرام عارف إبليس مخبى ابنه فين زى باقى القبط المصريين اللى طلعوا من الأرض الشراقى أول خضرة على الكوكب الأرضى وأنشأوا هنا أول دولة وكانوا أول ناس وحدوا الإله سبحانه وتعالى واخترعوا الديانة التى نظمت علاقات البشر بالعدل والقانون وضربوا أول أزميل فى الحجر الصوان وأبدعوا فى فن النحت، ما لا يستطيع أعظم الفنانين على وجه الأرض مجاراته حتى اليوم. وقال الدكتور أشرف: وحنفضل نعد إلى ما لا نهاية. فقال ميشو: بس يا ريت نفهم ونعرف حدودنا. وضحك الدكتور أشرف قائلاً: ماكانش ده بقى حالنا وظبطنا أنفسنا متلبسين بالمغنى. فقلت: ماكانش حد غلب، وبدأنا نغنى جميعاً: على صهد الأرض السمرا وأنا أبوى النيل سوانى ممصوص وخشن من برا زى الطينة الأسوانى والخضرة فى جلبى وجلبى دايماً على طرف لسانى وهنا صرخ ميشو قائلاً: مدد يا مصر يا أم الدنيا. فقلنا جميعاً: مدد يا فلاح النيل يا مبدع الحضارة.. مدد على طول المدد