خيرى رمضان: فى لحظة سكون بالأمس كان حوارى مع سيدى الحبيب على الجفرى بعد ما استعرضنا فيديو عماد «صديقى الملحد»، الذى طرح مجموعة من القضايا، فتكلمنا بالأمس عن العدالة الاجتماعية فى الإسلام، ثم ختم الحلقة بجملة قد تصدم الكثيرين: «جيفارا فشل». وقبل أن ننتقل إلى الجزء الثانى من العدالة الاجتماعية والدين أفيون الشعوب الذى يستغله الحكام أحياناً، أريد أن أكمل فى نقطة «جيفارا»: إذا كانت تجربة «جيفارا» فاشلة، وإذا كان «لينين» و«ماركس» و«إنجلز» وكل النظريات فشلت، لكن أنا عندى نظرية أقول إنها ممتدة من أكثر من 1400 سنة أُطالب بتطبيقها، أدعو إليها، أُبشر بها، فأتوقع أنها لا تُقارن، فإذا فشلت مثل النظريات لأخطاء فى التطبيق، فأين المشكلة؟ الحبيب: اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أولاً: الذين لم يتابعوا الحلقة الماضية لم أقل «جيفارا فشل» وتوقفت، قلت: «جيفارا» ناضل نضالاً كبيراً، نجح به فى أن يهدم ما كان يراه باطلاً من الاستبداد، لكنه لما انتقل من مرحلة الهدم إلى مرحلة البناء لم ينجح، كانوا يقولون الثورة جرافة ومهندس، «جيفارا» نجح أن يكون جرافة، لم يستطع أن يكون مهندساً، ولهذا فشل أن يدير وزارة. خيرى: فى تطبيق النظرية. الحبيب: فشل فى أن يدير وزارة الصناعة والعمال التى ولاه إياها «كاسترو»، وهى الاختبار الحقيقى كما قلت لتطبيق النظرية، نظرية الاشتراكية الشيوعية الماركسية اللينينية. هذا الأمر عندما تقول لى كان هذا الشىء ربما ليس بسبب النظرية لكن بسبب التطبيق، لكن تعالوا لأصحاب المنهج السماوى أين نجاحكم؟ أقول بكل بساطة، وبكل سكون فى لحظة سكون، إذا تقبلنا أن ندافع عن النظرية بالفصل بينها وبين التطبيق فى النظريات البشرية الأرضية، كيف نرفض أن نقول نفس الشىء بالعدل وبالإنصاف إن هناك فرقاً بين النظرية والتطبيق الذى حصل، لا سيما ونحن ذكرنا فى الحلقة الماضية أن النظرية فى مرحلة من المراحل أو أكثر من مرحلة أثبتت نجاحها؟ وهذا دليل على أن سوء استخدامنا وعدم تطبيقنا لها أدى إلى ما أدى إليه. سألفت نظرك إلى جزئية إن أذنت لى، كذلك السادة المشاهدون. خيرى: تفضل. الحبيب: أنا من الجنوب العربى، جنوب اليمن، الفقير إلى الله ولدت فى المملكة العربية السعودية، السبب فى ذلك أنا كنا مُهجَّرين، منفيين، نفياً اضطرارياً، لست وحدى، عشرات الآلاف بل مئات الآلاف من أهل البلاد، ما السبب فى ذلك؟ عندما تبنت الجبهة القومية فى ذلك الوقت المبدأ الاشتراكى والنظرية الماركسية ل«ماركس» و«إنجلز» والتطبيق الجنينى للنظرية، أخذوا مفردات هذا التطبيق لأن أخى عماد كان يقول إن الشيوعية لا تبنى الإلحاد، وجه صلته بالإلحاد المعاداة العنقية للدين، ليس الاختيارية. خيرى: وليس فصل الدين عن السياسة بالمعنى؟ الحبيب: غير صحيح، نحن لجأنا إلى أرض التطبيق من عهد «لينين» ثم «ستالين»، ومن بعده ربطوا نجاح ما يفعلونه بالقضاء على نوعين من الشعب؛ الكهنوت الدينى كما يقولون عنه، والبرجوازية المالية والسلطوية، فكان التوجه مباشرة إلى أهل الدين، سواء كان فى روسيا، فتم ذبح، وسحل، وقتل، ودفن آلاف من علماء الدين. وعندنا فى جنوب اليمن علماؤنا سُحلوا، وقُتلوا، وسُجنوا، وعُذبوا، بدعوى أننا إذا تخلصنا بهذه الطريقة من الكهنوت الدينى والبرجوازية التسلطية الرأسمالية سنستطيع أن نبنى مجد الفقراء. فى البداية الكثير من الفقراء صدقوا هذا، ثم ماذا كانت النتيجة؟ لم تمضِ خمس عشرة سنة إلا وشاهد الفقراء أنفسهم وهم يقفون طوابير طويلة ليأخذوا ربع كيلو سكر، الطوابير الطويلة ليأخذوا قليلاً من الخبز أو قليلاً من الزيت. أكثر من هذا، لما جاء البرتقال بعد خمس عشرة سنة وأنا أتكلم عن بلاد زراعية كانت تزرع كل أنواع الفواكه، مرة من المرات جاءوا بشىء من البرتقال فوقف الناس طوابير، ولما أخذوه الأم ناولت ولدها البرتقال فأخذها وجرى فى الشارع ليلعب بها كُرة، يظنها كُرة، أنا لا أريد التماهى فى الأمثلة والقصص لكن أريد أن أقرب شيئاً، استغلت هذه النظرية بما فيها من عوار حقيقى وهو مضاد للفطرة التى فطر الله الناس عليها. قضية نزع الملكية الفردية لتحويلها إلى الملكية المجتمعية، أو الملكية للدولة التى تخدم البروليتاريا والفقراء والمساكين، هذه النظرية تتضاد مع شىء فطر الله عليه الناس، شىء موجود فى دماء البشر، فى نفس الإنسان وهو قابلية التملك، طيب التملك الذى يتحول إلى طمع إلى ضرب للعدالة الاجتماعية إلى رأسمالية مدمرة للفقراء، كيف يعالج؟ يعالج فى الشريعة عندنا بفرائض فقهية، مثل الزكاة، وتحريم الغش، والاحتكار وغيره، وتعالج أيضاً بتربية روحية قلبية أمرنا الله تعالى بها فى تزكية الأنفس، فى ردع النفس عن إرادة الطمع، فهناك أحكام تطبقها الدولة تحفظ حق الفقير، وهناك ارتقاء بالغنى ليرتقى فى تعامله، وارتقاء بالفقير، بمعنى أن الفقراء هم أول من يدخلون الجنة، وليس معناه توقفوا عن العمل وارضوا بظلم الغنى! معناه يا أيها الفقراء ابذلوا كل ما تستطيعون من وسع، فمن عجزت به إمكانياته الشريعة تتكفل له بالأساسيات بحيث لا يفقدها، ويبقى بعد ذلك مقتضى العدالة أيضاً الاجتماعية لا العدالة الربانية، فالذى عجز وهذا غاية ما يصل إليه يكون له التعويض فى الآخرة. خيرى: هذه العدالة الربانية لها محاور عديدة فى حواراتنا، فى حلقاتنا المقبلة، لكن سأقف عند ما طرحه «عماد» مرة أخرى فى حلقة الأمس، حول مقولة «الدين أفيون الشعوب»، كما أتوقف عند جملة كررها، وهى «إذا كان فيه ربنا»! الحبيب: أسأل الله لنا وله الهداية إن شاء الله! هنا نقطتان؛ النقطة الأولى هى ربط نفى وجود الله عز وجل بجزئية العدالة الاجتماعية كما تصورها، وهذا الذى نحن نخوض فيه، وأما قوله «إذا كان فيه ربنا» لا شك هذه ثقيلة على نفوسنا. خيرى: معناه إن هو متشكك. الحبيب: أنا غير مقتنع بأن أكثر الشباب الذين يقولون إنهم ملحدون هم ملحدون مائة بالمائة، بل حتى كبار الدعاة إلى الإلحاد يقول أحدهم: أنا لا أستطيع أن أقول مائة بالمائة، لكن أستطيع أن أقول ستة من سبعة، فلذلك يبقى شىء وهذا الشىء قد نتكلم عنه بعد ذلك لأنه متعلق بالفطرة، لا يتأتى أن يكون أغلب البشر هكذا دون شىء يستحق التوقف. لكن هم بعض شبابنا يحاول أن يصدمك بالنيل من المقدسات، الذين لديهم نوع من التفكير والعقل يرون أن هذه خطوة لهدم القدسية وبالتالى يتقبل المجتمع ويستسلم لهذه القصة. والبعض يأخذها كردة فعل عمياء، لا أقصد بذلك «عماد»، «أنا خلاص متضايق والذى ترونه فى شأنى وتحبوا تفعلوه افعلوه، أنا ضربت مقدسكم»، لأن التقديس من وجهة نظرهم هو السبب فى تأخر المجتمع، وعدم قبول التجديد، ونقد الذات، ولهذا أنا قلت الحلقة الماضية، وأقوله مرة أخرى، وبعض الشباب لم يتحملوا أن أنتقد «جيفارا» بالرغم أننى اعترفت بأنه ناضل فى سبيل هدم الطغيان الذى يراه، ولكنه لم ينجح فى مرحلة البناء، وأطلب منك أن تتابع فى شبكة الإنترنت ردود الأفعال على هذه العبارة أن «جيفارا» نجح فى هدم ما يراه طغياناً، وفشل فى البناء، «جيفارا» فشل فى البناء، انظروا إلى التعليقات التى ستترتب على هذه الكلمة سيكون فيها سب، وشتم، «وقد سامحت من سب وشتم»، وسيكون فيها الهجوم، والتحقير، أنت مين لما تتكلم على جيفارا؟! سبحان الله! من أنت حتى تتكلم على «جيفارا»، وتغضب عندما أقول لك لا تتكلم عن الرب سبحانه وتعالى بغير أدب؟! خيرى: نعم، الأغنياء يزدادون غنًى والفقراء يزدادون فقراً باسم الدين، والحكام يستغلون علماء الدين بإقناع الناس بذلك وتخديرهم باسم الدين. الحبيب: صحيح، جزء كبير من هذا الكلام الذى قيل على أرض الواقع حصل، أن الكثير من المنتسبين إلى العلم رضوا بأن يُستخدموا وسيلة بيدى الحكام لتخدير الشعوب حتى لا يستيقظوا ويطالبوا بحقوقهم على أرض الواقع، هذا حصل لدى المسلمين، حصل لدى المسيحيين، حصل لدى اليهود، حصل لدى البوذيين، حصل لدى الهندوس، لكن، حصل أيضاً لدى الملحدين، حصل أيضاً لدى العلمانيين، حصل أيضاً لدى بالذات والتحديد الشيوعيين. فتحت مبرر أننا سنأخذ بحقوق الفقراء، سُخر الفقراء، ودِيس الفقراء، والنتيجة الحكام ازدادوا سلطة، وازدادوا ديكتاتورية، وازدادوا غنًى. عندما ترى ما الذى جناه «ستالين» من تبنى النظرية الماركسية، التى أغرى بها الفقراء، ووعدهم، وبنى لهم قصوراً من وهم، واستخدم هذه النظرية، ومنظرو هذه النظرية استخدموا «ماركس» بعد أن مات «ماركس» وهو لا يقره، لكنه استخدم نظرية «ماركس» لتخدير الفقراء، وتسخير الفقراء حتى تمكن منهم، بعد أن تمكن منهم صار التسلط فى أشنع صوره التى تسببت فى قتل أكثر من عشرين مليوناً فى الاتحاد السوفيتى فى مقابل تطبيق هذه النظرية، الحقيقة أن هذا ليس تطبيقاً للنظرية للإنصاف، هذا استغلال للنظرية. فكرة الثورة ثورة حتى النصر، حتى ما لا نهاية، هى جاءت من النظرة الجزئية ل«جيفارا» مثلاً، لم تأتِ بالنظرة التكاملية بين «جيفارا» وبين من جاء بعده من البناء، فأصبح التفكير فقط كيف أهدم، كيف أقاوم، بمعنى رفض السلطة، كيف أُسقط، ورفض فكرة أن توجد سلطة.