يُطلق على «سراييفو» عاصمة البوسنة والهرسك «قدس البلقان»، نظراً لأنها تحوى فى شوارعها مقدسات إسلامية ومسيحية ويهودية، وهى ظاهرة ظلت فريدة فى أوروبا حتى مطلع القرن العشرين تمثل صورة مصغرة لمدينة «القدس». تتشكل دولة البوسنة والهرسك من كيانين هما: فيدرالية البوسنة والهرسك، وجمهورية صربيسكا، فى حالة تداخل فيما بينهما. هناك ثلاثة رؤساء للدولة يُنتخبون لمدة أربع سنوات: مسلم، وصربى، وكرواتى، يتبادلون مواقعهم كل ثمانية شهور. النظام الإدارى لدولة البوسنة والهرسك معقد رغم صغر حجم الدولة التى تتكون من أقليات: المسلمون (45%)، الصرب (34%)، الكرواتيون (18%)، وآخرون (3%). اليهود، رغم أنهم مجتمع دينى مهم وإن كان قليل العدد، يشكون عدم تمثيلهم فى بنية النظام السياسى. شوارع سراييفو تجمع بين الأصالة التاريخية وبصمة الاشتراكية والروح الأوروبية. تتباهى بأنها مدينة التعددية الدينية، شوارعها تحوى فى تجاور كل الأديان، لكن يبدو أن هناك مشكلات عميقة تحت السطح، لا يضبط إيقاعها سوى وجود واحدة من أكبر السفارات الأمريكية فى أوروبا. هناك مائة وتسعون حزباً، ضعيفة، لكنها تشهد ظاهرة صعود حزب مدنى «الاشتراكى الديمقراطى» الذى يضم المسلمين والكروات معاً، يتقدم على حزب «العمل الديمقراطى»، الذى قاد معركة الاستقلال برئاسة «على عزت بيجوفيتش». ظاهرة ملفتة تتجاوز الاستقطاب. هناك نحو ثلاثمائة مصرى فقط فى البوسنة والهرسك. بعضهم يعود استقراره هناك إلى الاتحاد اليوغسلافى قبل تفسخه، وبعضهم جاء مسانداً فى الحرب (1992-1995) وفريق ثالث من الشباب يفد إلى هناك بحثاً عن الزواج والاستقرار، ولا سيما أن تكلفة الزواج تكاد تكون محدودة للغاية. الوجود العربى، رغم الإنفاق الخليجى المرتفع، ضعيف مقارنة بدولة مثل تركيا ترى فى البوسنة والهرسك «فناء خلفياً» لها- بلغة السياسة- تمد إليها أذرعها الاقتصادية والسياسية، ويزورها المسئولون الأتراك بشكل لافت. سفير مصر فى البوسنة والهرسك «كريم شرف»، فضلاً عن كونه من عائلة عريقة فى مجال العمل الدبلوماسى، خدم فى دول عديدة آخرها أفغانستان والعراق مما أكسبه قدرات ومهارات وثقافة رفيعة تكتشفها بين ثنايا حديثه. الاقتصاد فى البوسنة والهرسك ضعيف، وهناك جهود يقودها الدبلوماسى «عمر عبدالله» قنصل مصر لتخفيض متبادل فى الجمارك بين البلدين، يساعده فى ذلك علاقاته المتشعبة فى المجتمع، ودراسته لدول البلقان عموماً، والبوسنة والهرسك خصوصاً، فضلاً عن إلمامه باللغة البوسنية. المسألة أمامه صعبة، رغم محاولاته فى تعميق الحضور المصرى هناك اقتصادياً وثقافياً. فى قاعات وشوارع «سراييفو» اجتمع أكثر من مائتى شخص من مختلف دول العالم، من كل الأعراق والأديان بدعوة من جمعية «سانت إيجيديو» الإيطالية للحديث عن «التعددية الدينية». نقاشات متعددة، وأنشطة مكثفة، وقد حرص المتحدثون من مصر وتونس على التأكيد على أن الربيع العربى لا يجب أن يثمر على حساب التعددية الدينية والعرقية والإثنية. عبارات الحرص صارمة والمخاوف على التعددية فى العالم العربى أيضاً غير خافية.