بجسد نحيل، ووجه شاحب اللون، وقف طارق على عمر إلى جوار فراشته الملاصقة لخيم الطرق والمذاهب المختلفة التى حضر أصحابها من جميع المحافظات للمشاركة فى الاحتفال بمولد السيدة زينب، لا يشغله سوى بيع الحمص والحلوى والمشبك، يراقب المارة فى الطريق أمامه، فتلك الوجوه يألفها الوافد الجديد الذى جاء من الغربية للمشاركة فى مولد السيدة زينب بصحبة زوجته وابنته التى جلست أمام إحدى الخيام التى تقدم الطعام والشراب لرواد المولد وأمامها طبق كبير مملوء بالفول السودانى وحب العزيز. حركة «طارق» لا تعرف السكون، لكنه لا يبتعد عن أسرته التى ترافقه سوى أمتار قليلة، وسرعان ما يعود منها، كأنه يخشى شيئاً ما، رصيد «طارق» فى الحياة، 52 عاماً، لم يشارك خلالها فى الموالد سوى مولد السيدة زينب والإمام الحسين. «لست فى حاجة إلى المشاركة فى الموالد والانتقال من مكان إلى مكان، خاصة أننى صاحب محل وصحتى لم تعد تساعدنى ولكنى حريص على حضور مولد السيدة زينب من حوالى 20 سنة ولم أتأخر عن المشاركة فيه أبداً»، هكذا تحدث «طارق» ل«الوطن». ويتابع: «كنت خايف من إلغاء المولد عشان الانفجارات الإرهابية التى تسببت فى إلغاء كثير من الموالد السنة دى»، «طارق» الذى لا تربطه علاقة بالسياسة سوى وجود اسمه فى قوائم الناخبين، يؤكد أنه سيشارك فى الانتخابات الرئاسية حتى يأتى رئيس قوى يقضى على العنف والبلطجة بكافة صورها، التى جعلته يخشى على ابنته الوحيدة التى لم يتجاوز العشرين عاماً، فلم يحضرها معه فى البداية، لكنه لم يملك رفض طلبها اللحاق به من الغربية إلى القاهرة للمشاركة فى المولد ومساعدته، فقام الأب بتوفير سكن مؤقت لها عند أحد أقاربه حتى تكون فى مأمن، على حد قوله. لحظات صمت يقطعها صوت أحد الزبائن يرتدى جلباباً صعيدياً يعترض على سعر كيس الحلوى، واصفاً إياه بالمبالغ فيه، فيرد عليه «طارق»: «ادفع اللى معاك يا حاج». ينصرف الرجل، حاملاً كيس الحلوى، فيتنهد طارق معلقاً: «مفيش فايدة، الظروف بتتغير والزبون مابيتغيرش لازم يفاصل فى كل حاجة واللى مصبرنا أن الوضع صعب والناس مش لاقية، ده غير حبنا لصاحبة المقام الرفيع السيدة زينب، مش عاوزين نكسر بخاطر غلبان، حتى لو مش هنكسب ولا مليم».