وسط جو الاحتقان والحزن فى ميدان السيدة زينب، بسبب إلغاء الاحتفال بمولدها هذا العام، كشفت جولة ل«المصرى اليوم» أن أصحاب المحال والباعة الجائلين الذين يمثل لهم مولد السيدة موسماً سنوياً يسترزقون منه كل عام، لا يصدقون أن الحكومة جادة فى إلغاء المولد، فهى حتماً سوف ترجع فى كلامها فى آخر لحظة، وتقيم «فرح الست». هؤلاء الناس يؤمنون إيماناً جازماً بأنه حتى لو نفذت الحكومة قرارها بإلغاء المولد السنوى، فإن «الست» لن تقف مكتوفة الأيدى أمام مولدها الذى منع، وستثأر لنفسها بالتأكيد من كل الذين منعوا «فرحها»، وسيكون ثأرها شديداً لن يتحمله أى مسؤول وضع توقيعه على قرار يمنع الاحتفال بمولد السيدة زينب. «كل الموالد اتعملت السنة دى.. اشمعنى مولد السيدة زينب هو اللى يتلغى».. بهذه الكلمات بدأ حلمى محمد عبدالله، 50 سنة، حديثه معنا.. لم يمنعه الحديث من مراقبة عربة اليد التى يعرض عليها بضاعته المتمثلة فى لعب الأطفال البلاستيكية، أشار إليها قائلا «أنا السنة دى جايب بضاعة كتيرة زى كل سنة عشان أبيعها فى المولد، دلوقتى مفيش قدامى غير إنى آكلها، الحمد لله لا فيه بيع ولا شرا». «حلمى» الذى ينفق من بضاعة عربة اليد على أبنائه الخمسة «كلهم بياكلوا منها عيش» يعتمد على زوار المولد كل عام فى تصريف بضاعته، وهو ليس وحده، فعلى حد تعبيره «ناس كتير بتستنى المولد من السنة للسنة عشان ترزق»، أما الآن فقد أغلق باب الرزق فى وجه الجميع، خاصة مع مطاردة الشرطة لهم وهروبهم المتكرر بعرباتهم إلى الحارات والشوارع الجانبية. ولا يقتنع «حلمى» ب«الحجج» التى تسوقها الحكومة لإلغاء المولد هذا العام، ويعتقد تماما فى أن السيدة لن تترك ثأرها ممن أصدر هذا القرار، ويشير لأحد المحال نشب فيه حريق منذ يومين، قائلا: «أهو صاحب المحل اتريق على مولد السيدة، شوفوا عملت فيه إيه، خلت محله كوم تراب .. ولسه». وإلى جوار عربة «حمص وحلاوة» وقف عيد موسى 38 سنة ليعرض بضاعته. قال: «أنا جاى بالفرشة من منفلوط مخصوص عشان آكل عيش وكمان أتبارك بزيارة الست».. يفرد عيد ذراعه ليهش الذباب من على العربة، ويعود ليستكمل حديثه: «بيقولوا فيه أنفلونزا فى مولد الست.. الست الطاهرة مش ممكن تجيب أمراض أبداً، دى هى اللى بتشفى الأمراض.. دى حتى اسمها أم العواجز». عيد يدافع بشدة عن الموالد التى تقام بطول مصر وعرضها، وحجته الوحيدة هى أنها تمثل «باب رزق للناس»، فهو مثلاً يطوف بفرشته طوال العام على كل الموالد، يخرج من مولد السيد البدوى ليسافر لسيدى إبراهيم الدسوقى، ومن السيدة نفيسة للسيدة زينب.. تمضى أيامه التى يقضيها بجوار العربة نهاراً، وأسفلها ليلاً. «على فكرة حكاية أنفلونزا الخنازير دى مش صحيحة، واضح جداً إن الحكومة منعت الاحتفال بالمولد السنة دى عشان خايفة من تجمعات الصعايدة».. بهذه الكلمات همس جمعة حمدى، صاحب مطعم يطل بواجهته على شارع السد، خفض «جمعة» صوته أكثر ليقول «بس أنا مش مصدق إن الحكومة هتلغى الاحتفال خالص.. أكيد هترجع فى كلامها، أصله صعب قوى الحكومة تقفل بيبان الرزق فى وش المخاليق دى كلها». «جمعة» يقول إنه يتعاقد على بضاعة كثيرة قبل المولد كل عام، اعتماداً على تصريفها أيام المولد، أما الآن فقد أرجأ الاتفاق على بضاعة جديدة حتى يتبين موقف الحكومة من إقامة المولد أو منعه. وفى شارع «الناصرية»، جلس منصور حسن على مقعد أمام محل الفراشة الذى يمتلكه، بالنسبة له كان مولد السيدة زينب موسم ينتظره - كما يقول - من العام للعام، ففيه يورد كراسى للمقاهى وأصحاب السرادقات الذين يأتون بها عادة معهم من قراهم لينصبوها فى المولد، أما الآن بعد إلغاء الاحتفال بالمولد فلا يدرى منصور ماذا يفعل؟. على حد قوله «البيبان مقفلة خلقة بعد قرار منع سير النقل طول النهار، ورفع مبلغ تأمين النقل اللى بيشيل الفراشة، وده اللى خللى ما حدش بيأجر فراشة ولا يستخدمها وكله اعتمد على دور المناسبات، ووسط المشاكل دى كلها جات الحكومة وكملت علينا بإلغاء الاحتفال بالمولد.. الحمد لله». وعلى النقيض من حزن الصوفية والمريدين وزوار السيدة زينب، كانت الصورة مختلفة لدى جماعة أنصار السنة المحمدية، إذ أكد قياديون فيها أنهم ينتظرون إلغاء المولد منذ سنوات طويلة. وقال الشيخ أحمد يوسف، أمين عام الجماعة، إن هذا المطلب قدم إلى الدولة فى مخاطبات ومناشدات منذ عصر ما قبل الثورة، واصفاً الموالد بأنها تخالف شرع الله ومنهج الرسول، وتشهد بدعاً ومخالفات أخلاقية. واستنكر يوسف ما يقوله المريدون من أن السيدة زينب لن تترك ثأرها، وقال إنها من الموتى ولا تملك فعل شىء، واعتبر أن الموالد الصوفية هى الأداة التى يستخدمها الشيعة لنشر التشيع فى مصر عبر القبور والأضرحة. وقال الشيخ عادل السيد، رئيس أحد فروع الجماعة، إن إلغاء المولد مفيد للإسلام، لأنه يشهد الكثير من الجرائم ويسىء إلى المسلمين جميعاً. وأضاف: «إذا كان الإلغاء لإبعاد الأذى الصحى فالأولى استمرار إلغاء الموالد لإبعاد الأذى عن الدين».