قبل عدة أشهر تحققت لى إحدى أمنياتى بزيارة جزر المالديف.. البلد الذى يواجه خطر الاختفاء من خريطة العالم بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض.. ذلك تحديداً ما دفعنى إلى شد الرحال إلى أرخبيل ابتلع المحيط الهندى عدداً من جُزره فى تسونامى 2004 الشهير! قضيت أربعة أيام فى جزيرة شعرت، بسبب صغر مساحتها وانخفاض مستوى أرضها عن سطح المحيط، أن ما يكتب عن العد التنازلى لبقاء المالديف على كوكب الأرض ليس من قبيل المبالغة! فى رحلة العودة أتيح لى التجول بضع ساعات فى العاصمة (ماليه) التى هى عبارة عن جزيرة طولها كيلو مترين وعرضها كيلو متر واحد، لذا تختنق شوارعها الضيقة بالسيارات والموتوسيكلات، لكن من دون فوضى، والسبب ببساطة احترام قوانين المرور! وكعادتى عند زيارة بلد جديد قصدت المتحف الوطنى، وجدته مبنى جميلاً كان فى الأصل قصراً لأحد السلاطين، جمعت فيه الحكومة معظم ما تمتلك من آثار، مررت على أقسام الحلى والأزياء التى كان يرتديها الملوك والملكات، والمخطوطات والأسلحة والدروع العتيقة وصور لحكام البلاد الأوائل، ثم دخلت إلى قسم يبدو الاهتمام به واضحاً، اقتربت من المعروض فى الفاترينات الأنيقة فوجدت مجموعة من المصاحف الشريفة، لأكتشف أنها أُهديت فى مناسبات مختلفة للرئيس المالديفى السابق مأمون عبدالقيوم من شيخ الأزهر! توقفت أمام الإشارات المكتوبة باللغات المحلية والإنجليزية والعربية التى توضح ظروف كل مناسبة، ويبدو أن موظفة المتحف التى كانت تراقبنى عن بعد لاحظت اهتمامى فاقتربت مبتسمة، لم أدعها تسأل، بادرتها مشيراً إلى المصاحف بفخر: أنا من مصر! اتسعت ابتسامتها وقالت: رئيسنا السابق تخرج فى جامعة الأزهر، وكذلك أحد أفراد عائلتى، لقد حالفهما الحظ! استطردتْ: يحكى لنا قريبى عن ذكرياته الجميلة فى القاهرة، وعادة نطلب منه قراءة القرآن فى الأفراح والأعياد الدينية، فجأة سألتنى: لعلك تخرجت فى تلك الجامعة أيضاً؟! قالتها وكأنها تعتقد أن كل المصريين يدرسون فى الأزهر، اكتفيت بالنفى دون ذكر أننى خريج جامعة روسية! باغتتنى: هل تصلى ظهر الجمعة فى الجامع الأزهر؟! أيقنت أن النفى الثانى على التوالى سيصيبها بخيبة أمل، فتداركتُ قائلاً: لقد أجريت حواراً مع شيخ الأزهر شخصياً! لم أدعها تشكك فى كلامى، فتحت ألبوم الصور فى هاتفى المحمول واخترت صوراً جمعتنى مع الإمام الأكبر د. أحمد الطيب أثناء مقابلة أجريتها معه العام الماضى لقناة سكاى نيوز عربية، تأملتْ الصور بطريقة بدت وكأنها تسعى لمعرفة هل أنا من هواة الفوتوشوب أم لا؟! كنت قد قرأت عن المكانة المرموقة التى يتمتع بها الأزهر لدى شعب المالديف بمن فيه فرقاؤه السياسيون، لكنى لم أتوقع أن ألمس ذلك بنفسى على أرض الواقع! تذكرتُ موقفاً مماثلاً عشته فى مدينة صغيرة جنوب قيرغيزستان منذ تسع سنوات، كنت أعد فيلماً تسجيلياً عن الحركات الإسلامية الأصولية فى وادى فرغانة، وحين علم بعض أهل المدينة أننى من بلد الأزهر، كادوا يلتمسون البركة منى! فى الأسبوع الماضى تشرفت بلقاء فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، على هامش مؤتمر حوار الحضارات فى المنامة، ولا أعرف كيف فاتنى أن أقص على فضيلته هاتين الحكايتين؟! أوقن أننى لست المصرى الوحيد الذى مر بمواقف مشابهة فى دول إسلامية عديدة تقدر الأزهر وتحترم شيوخه، وتعرف ما يجهله كثير منا عن دور هذه المؤسسة فى تقديم الإسلام بصورته السمحة، مقابل سموم تنفثها الجماعات المتطرفة لتشويه تلك الصورة فى الداخل والخارج! ومؤكدٌ أن الظروف لو سمحت لقريب موظفة المتحف الوطنى المالديفية لزار جامعة الأزهر حاملاً الورود، ولكذّبَ عينيه إن رأى المولوتوف والشماريخ وأعلام القاعدة فى أيدى بعض زملائه الأزهريين المصريين!