إذا كان المشير السيسى عاطفياً وحمدين صباحى رومانسياً كما يصفهما معظم المحللين، فنحن إذن أمام كارثة وطنية سياسية! الدول القوية والأمم العظيمة لا تتقدم ولا تنجح بالعواطف.. والقادة الرومانسيون العظام فى التاريخ فشلوا فى صناعة أى مجد لبلادهم، بل منيت دولهم بهزائم مخزية، وكانوا هم أنفسهم رغم عشقهم لأوطانهم فى أغلب الأحوال ديكتاتوريين وقتلة.. ضحوا بالملايين من أجل أحلامهم وشعاراتهم الخيالية المريضة. وأنا شخصياً لا أرى حمدين رومانسياً ولا السيسى عاطفياً، ورغم احترامى لهما فإننى لا أشعر بشىء عندما يرفع حمدين شعاره «واحد مننا.. هيحقق حلمنا»، ولا عندما يقول السيسى «انتو نور عنينا..»، وحتى عندما يضع السيسى شعار «تحيا مصر» لحملته الانتخابية فإنها تفقد مدلولها السياسى لتصبح مجرد تحية وطنية وليست برنامجاً يميز مرشحاً عن آخر! المؤسف أننا أمام خطاب انتخابى هدفه مغازلة شعب فقير وأمى وغير مسيّس، والمحزن أن هذا الخطاب يرتدى عنوة ملابس عاطفية ويضع ماكياجاً رومانسياً هو فى الحقيقة قناع تختفى تحته حقيقة غياب الرؤية العملية والواقعية لقيادة أمة فى لحظة خطر تاريخى!. إنه من المفزع حقاً أننا نتلقى خطاباً انتخابياً يشبه إلى حد كبير خطاب كل انتخابات نظام مبارك وما سبقه من أنظمة تلاعبت بمشاعر وعواطف هذا الشعب سنوات طويلة ولم يكن لديها شىء تقدمه غير الكلام الحلو... المعسول! إن المرشح السيسى يتحدث كثيراً عن «العمل» ويضعه شعاراً فوق لافتاته، والمرشح المنافس صباحى يتحدث عن «الشباب» ويعتبرهم رصيده ووقود حملته، والواقع أن الاثنين لا يقدمان روشتة واقعية قابلة للتنفيذ تقول لنا «كيف نعمل» فى ظل الفوضى الضاربة فى البلد، وكيف سنطلق «إبداعات» الشباب اليائس من السياسة والسياسيين. إن الشعب لن يأكل كلاماً! وإذا اقتصر رهان المرشحين على مشاعر الناس فقط، فهو رهان قصير النظر وخاسر! والمشكلة التى ستدفع الحياة السياسية فى مصر ثمنها فيما بعد تكمن بالدرجة الأولى فى هذا الخطاب الشعبوى الذى يعتمد على الحشد العاطفى للجماهير والخالى من رصيد فكرى ورؤية للحكم وبلا ظهير سياسى يعتمد على دعم حزبى ومساندة النخبة!.. والواضح أننا أمام متنافسين يتحدثان طول الوقت عن الجماهير بدون غطاء سياسى فعلى، فلا السيسى وراءه حزب كبير، ولا «صباحى» يتمتع حتى بدعم الناصريين. ومن المدهش أن المشير السيسى لم يلتق حتى الآن بالأحزاب السياسية حتى تلك التى أعلنت دعمها له، وهى إشارة تعنى أنه يضعها فى مرتبة أقل من قبائل مطروح وعواقل سيناء والطرق الصوفية التى التقى بها فى بواكير حملته!، بينما حمدين لم يحظ بدعم أى من الأحزاب الكبيرة اللهم إلا مساندة أحد فصائل الاشتراكيين، وهى ظاهرة تستحق القلق. إن الأحزاب السياسية القائمة كان عليها أن تعلن موقفها وتحدد اختياراتها من بين مرشحى الرئاسة، ومن حقها أن تساند من ترى أنه الأقرب لأفكارها، ولكن عليها أن تنتبه أن كلا المرشحين غير عابئ بوزنها ومدى تأثيرها وأنه يضع البيض كله فى سلة الجماهير العريضة سهلة التأثير وسريعة التأثر. وأتصور هنا أن معركة الأحزاب الكبرى ستكون البرلمان المقبل.. وجودها وتأثيرها تحت القبة هو الذى سيرغم الجالس على مقعد الرئاسة على احترامها ووضعها فى حساباته عند اتخاذ القرار!. إن الرهان فقط على الجماهير البسطاء والفقراء لا يصمد طويلاً لأن الناس يمكن أن تسحب التوكيل فى أقرب لحظة غضب، أما الحكم الديمقراطى فى دولة مؤسسات فهو الرصيد الذى لا ينفد سريعاً ولا يشترط أن يكون فخامته عاطفياً.. أو عبدالحليم حافظ.