عندما تدخل قرية الخشية.. مركز مشتول السوق بالشرقية.. لن تحتاج إلى السؤال عن منزل المجند أحمد على السيد عبده عمر (21 عاماً)، شهيد الجيش الذى لقى حتفه خلال استهداف انتحارى لكمين أمنى بمدخل مدينة الطور بجنوب سيناء الجمعة الماضية.. دون أن يدلك أحد عليه ستصل إليه بسهولة.. إذا تتبعت خطوات وفود المعزين.. سينتهى بك المسير إلى منزل بسيط تكسوه مهابة الموت وروائح الحزن تقبع خلف الملابس السوداء. بالقرب من باب المنزل تجلس جدة الشهيد لتتلقى واجب العزاء فى حفيدها مرددة عبارات: «حسبى الله ونعم الوكيل فى الظلمة اللى حرقوا قلبى على أول حفيد لىّ، منهم لله الكفرة اللى لا يعرفوا دين ولا إسلام، قتلوا سند أبوه المريض العاجز، ربنا مش قال لهم اعملوا كدا فى ولاد الناس الغلابة اللى أهلهم يستحقوهم». بدموع الحسرة ترفع السيدة السبعينية يدها للسماء وتدعو: «يا رب تخلص مصر منهم وسلم مصر وجيش مصر، وارفع غضبك عن المسلمين واقف جنبهم، يا رب انصر أمة محمد والمسلمين عليهم، يا رب انتقم منهم، يا رب إحنا مش لينا غيرك، صبّر قلبنا وقلب أهالى كل الشهداء». وتتابع الجِدة: «الشهيد كان أول حفيد لىّ وله 3 أشقاء هم: محمد 18 عاماً، منة 16 عاماً، حبيبة 10 سنوات، وأبوهم راجل غلبان والشهيد كان سند أبوه وكان شغال سائق وبيساعده فى تحمل مصاريف إخواته». وأجهشت فى البكاء متابعة: «أبوه من ساعة ما عرف بموت ابنه الكبير وهو فى العناية المركزة لأنه مصاب بمرض السكر، كما أصيب بجلطتين خلال السنوات السابقة وجاء نبأ وفاة نجله الأكبر ليعجزه عن الحركة ويدخل المستشفى فى حالة حرجة». أما والدة الشهيد هدى محمود منصور فقد عزفت عن تناول الطعام منذ استشهاد نجلها واكتفت بترديد عبارات مقتضبة منها «هو طلب الشهادة ونالها، آخر مرة كان فى الأجازة قالى إنه هيرجعلى شهيد وأهو رجع شهيد فى صندوق زى ما يكون كان قلبه حاسس.. يومها حسيت إن قلبى بيتقطع.. وقلت له شد حيلك وربنا يسترها عليك يا أحمد»، وتساءلت الأم: «ذنبه إيه عشان يموت غدر؟ دا عمره ما أذى حد». «كل يوم منذ أن التحق بالخدمة العسكرية فى سيناء وهو بيحكى لنا عن مدى خطورة الوضع فيها والأسلحة الثقيلة التى يستخدمها الإرهابيون، فى حين أن المجندين مش معاهم أسلحة حديثة» بتلك الكلمات بدأ حسن السيد عبده عمر عم الشهيد حديثه معنا وتابع: «الشهيد التحق بالجيش منذ 5 أشهر بسلاح المشاة فى طور سيناء، ومن كتر مهاجمة الإرهابيين لقوات الجيش وسماعه دوى طلقات الأعيرة النارية كان بيقلق وحاسس أن الدور عليه لأن مفيش كمين فى سينا مش معرض للاستهداف وحاولنا نشوف واسطة عشان ننقله، وأول ما استطعنا ذلك كان قضاء الله أسرع واستشهد قبل نقله بأيام قليلة». واستطرد قائلاً: «ماحدش من أمن الشرقية عملّه جنازة عسكرية، أنا عارف أنها مش هترجعه، بس هو دا مش حق شاب دمه راح عشان بلده مش لازم كانوا يقدروه، عزاؤنا الوحيد أنه مات شهيداً والشهادة منحة من الله مش بينولها أى حد، وربنا ينولنى الشهادة أنا وعيالى» ويضيف «الشعب والجيش المصرى أقوى من أى إرهابى خسيس بيفجر نفسه ويخسر الدنيا ويكون جزاؤه النار بإذن الله». وحمل عم الشهيد جماعة الإخوان الإرهابية مسئولية مقتل نجل شقيقه وغيره من الشهداء «قائلاً الإخوان هم السبب اللى مايعرفوش الدين ولا الإسلام وأكتر ناس مؤمنة هما الجيش المصرى». وقالت عزيزة السيد عيد عمة الشهيد: «لو كان آخر الشباب اللى هيموتوا على أيدى الإرهابيين إحنا هنفرح عشان هو شهيد، أما لو حد مات تانى فهنبقى على الحال ده لحد إمتى؟ لحد ما بيوتنا كلها تتحول لمآتم والشوارع تمتلئ بالجنازات؟». وطالبت بسرعة ضبط الجناة والقصاص منهم وقطع رقاب الجناة فى ميادين عامة فور ضبطهم. وقال العقيد أحمد حبيب على المعاش بالقوات المسلحة وأحد الأهالى: «الشهيد كان من خيرة شباب القرية وكل البلد حزينة عليه والميتم فى كل بيت مش فى بيته هو بس، حرام اللى بيحصل دا البلد كلها بقت جنازات وكل يوم نصحى على عملية إرهابية جديدة وسقوط شهداء جدد وتساءل «لحد إمتى دا هيستمر؟». وطالبت الأجهزة التنفيذية بتقديم رعاية كاملة وحقيقية لأسر الشهداء وليس مجرد الاكتفاء بتكريمهم، مطالباً بتوفير وظيفة لوالد الشهيد، خاصة أنه رجل مريض وكان نجله هو من يساعده فى تربية أشقائه الصغار.