بقلب مكلوم وجسد رسم الزمن خيوطه عليه، مدت يديها المرتعشة تتوسله، يقابلها ببرود من خلف نظارته السوداء، التي أخفت عينيه عمن يقفون بتوجس، تحاول أن تطمئن أيديهم المرتعشة قلوبهم الصارخة بالدعاء، المتوسلة لله بصمت أن يقف بجانب أبنائهم وأخوتهم وأقاربهم، ممن تهددهم السجون باحتضانهم خلف أسوارها، لمعة أعينهم تكاد تنفجر من دموعها المحبوسة، التي انتظرت حكم القاضي، المُدرك كم الأدعية التي تستقبلها السماء بهذه الساعة. تختفي الأصوات المحيطة تماما في هذه اللحظة، الأعين كلها منصبة على لسان القاضي، في مشهد سينمائي بالحركة البطيئة، تأتي اللحظة، التي تنتظرها مئات الأسر، "حكمت محكمة جنايات المنيا بإعدام 37 من أعضاء وأنصار جماعة الإخوان، والسجن المؤبد ل474 آخرين، لاتهامهم بالتورط والتحريض على اقتحام وحرق مركز مطاي، وقتل المقدم مصطفى العطار، نائب مأمور المركز، وإحالة أوراق 683 متهما لفضيلة المفتي". يتبدل الصمت قبل أن يكمل القاضي الحكم، ويعم العويل والصراخ والبكاء والإغماء المكان، لتنفجر الدموع، التي حُبست لساعات شعر أصحابها، وكأنها دهر كامل، يبكون وليس بيديهم سوى البكاء، ويتوسلون لأفراد الشرطة، الذين يقفون بصرامتهم وقوتهم المعهودة، ينظرن لأمهات المتهمين بشفقة تارة، وتشف تارة أخرى. اختفت كل الرتب والفوارق في لحظة زمنية معينة، التقطتها عدسة ال"بي بي سي" العربية، لتسود المشاعر في الصورة تنطق بما تحمله الأفئدة، مشاعر القهر والحزن والظلم، التي ملأت قلوب أمهات المتهمين والأهالي، ومشاعر القوة الممزوجة بلا مبالاة بعض الشيء من ناحية، وبالتأثر والشفقة من خلف نظارة الضابط تجاه الأمهات المكلومات من ناحية أخرى، لتسجل عدسة المصور هذا الكم من المشاعر المتناقضة في لحظة، عندما تمسك الأم بيد الضابط متوسلة له، دون أن يحرك ساكنا.