نحن نعيش لحظة درامية بامتياز.. صراع إرادات في ذروة الاحتدام ماضي وحاضر ومستقبل في صدام ينذر بانفجار. التوقيت ايضا درامي تاريخي خالص. بلد يعيش طوفان ثورة وثورة مضادة. وانتخابات رئاسة تضع المواطن داخل كماشة. الشخصيات ليست مجرد أشرار وأخيار كما في أفلام الإثارة البوليسية التقليدية. وإنما مواطنون عاديون يتألمون. ساخطون. غاضبون. أمهات وآباء يحتشدون أمام ساحة المحكمة ينتحبون. يحملون صور أبنائهم الشهداء. وعلي الجانب الآخر أنصار المتهمين يهللون ويتوعدون. المشاهد متلاحقة. الشارع يشهد موجات من العنف والعنف المضاد. الشرطة في كل مكان. والجموع تحتشد. وتهتف ضد منطوق الحكم. القاضي نفسه شخصية درامية متكاملة العناصر. صارم الملامح. شديد اللهجة. قوي. بليغ. يبدأ الجلسة بشهادة دامغة ضد نظام المخلوع. الشهادة تضع الناس في الشوارع وعلي المقاهي وداخل البيوت في ذروة الانفعال. بعضهم يجهش بالبكاء وحين يأتي منطوق الحكم ينسف التوقعات. وقبل أن ينتهي من بنوده. ويسدل الستار ينفجر الجميع!! اللحظة هذه حبلي بشتي الاحتمالات. ومنذرة لا أحد يستطيع أن يتنبأ بما سوف تأتي به الأيام.. وقد تأتي النهاية مفاجئة وبما يخالف أي توقعات. الواقع في هذه اللحظة يتحدي الخيال.. والمبدع الحقيقي صاحب الموهبة الربانية الفذة هو وحده القادر علي أن يلملم تفاصيل هذه اللحظة التاريخية الرهيبة التي رافقت "محاكمة القرن" المحاكمة التي عاشها المصريون وشعوب الأمة العربية والناطقون بلغة العناد. فها هو زعيم عربي. يحاكم ويدان بالمؤبد وينتقل إلي الليمان ويصاب الانهيار العصبي أثناء نقله من رفاهية المركز الطبي إلي خشونة السجن. إنه ايضا شخصية درامية ميلودرامية. يمتلك صفات الطاغية المستبد. والأب الطيب. والزوج المدافع بشراسة عن خطايا زوجته. وهو نفسه القاتل لحقوق أبناء شعبه والقاتل لأحلام زوجات الشهداء وآبائهم وامهاتهم. ما قاله القاضي في بداية الجلسة بداية جيدة جداً لفيلم تاريخي يعبر عن مرحلة صعبة ومسودة في حياة المصريين. البداية الواعدة للقاضي أعقبها منطوق الحكم الذي ينسف فكرة القصاص العادل.. ويزين صدر مساعدي الوزير القاتل وأداة تجبره وهم من أذلوا وأهانوا وسودوا حياة المصريين. زين لهم صدورهم بكلمة "البراءة".. أحدهم امتلأت عينيه بالدموع وبكي وهو ينصت إلي الحكم.. أهي دموع ندم أم فرح أم استجداء للمغفرة؟؟ المصريون يعيشون لحظة رهيبة.. وتوقيت رهيب. والشخصيات والأحداث عناصر قوية جداً لعمل درامي خالد يبقي للتاريخ.. هذا إذا كنا نملك صناعة قوية تضاهي الأحداث وقادرة علي الإمساك باللحظة وتثبيتها!