تخيلوا.. لو اختفى ياسر برهامى، أو توقف عن إصدار فتاواه السياسية والجنسية هذه الأيام.. كم ستكون الحياة مملة فى مصر؟! وتخيلوا شكل الحياة، لو اختفت أحاديث النميمة والشائعات والضرب تحت الحزام والصيد فى الماء العكر ونسج المؤامرات والشكوك واتهامات الخيانة والفساد والتزوير المبكر للانتخابات بين أنصار مرشحى الرئاسة المشير عبدالفتاح السيسى وحمدين صباحى؟! المؤكد أن دكاكين الهرتلة والتفاهة السياسية المفتوحة على مصراعيها من مواقع التواصل الاجتماعى إلى شاشات التليفزيون ومجالس المصاطب والمقاهى ستفلس وتغلق أبوابها، ويصبح كل هذا الزحام ل«لا أحد» على رأى الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى، وربما يضطر العديد من نجوم هذه الأيام أن يبحثوا لأنفسهم عن مهن أخرى! إن الذى يجرى فى مصر هذه الفترة ليس له غير وصف واحد: عبث؛ فلا توجد على الأرض معركة سياسية أو ثقافية أو صراع فكرى حقيقى حول أى شىء! وقد صدقت أحد الأصدقاء عندما قال لى إنه يعتقد أن هناك من يدفع أمثال الشيخ برهامى لإثارة الجدل وإلهاء الناس بين الحين والآخر بفتاواه حول اغتصاب الزوجات أو -فى حالات أخرى- إطلاق تسريبات لمواقف أو تصريحات مشوهة منسوبة للمشير السيسى أو لحمدين صباحى، وإلا.. قل لى بذمتك، بأى قضية أخرى كنا سننشغل لو لم يُفتِ «برهامى» فى هذا التوقيت، أو ينسب لحمدين تصريح بأنه يريد محاكمة السيسى! أو يتابع الرأى العام تفاصيل الصلح الذى تم أخيراً بين مرتضى منصور وأحمد شوبير برعاية السيسى؟! وأظن أن هذه الحرب التى تتصاعد وتيرتها مع تزايد حمى المنافسة على مقعد الرئاسة يجرى إذكاء نيرانها بفعل فاعل عن طريق إثارة قضايا تافهة ومعارك غير حقيقية بين فرقاء لا توجد فوارق جوهرية بينهم! هناك من يريد خلق حالة سياسية غير موجودة على أرض الواقع، ومن يصور انتخابات الرئاسة بأنها صراع بين نظام قديم يعود متمثلاً فى المشير السيسى ضد قوى الثورة الصاعدة المتمثلة فى حمدين صباحى.. وهناك من يريد أن يصنع من حمدين «برادعى» جديداً، ومن السيسى «مبارك» آخر، وحتى تكتمل الصورة ويصل الصراع إلى ذروته يتم ربط السيسى بفلول نظام مبارك.. ويعقد تحالف بين «صباحى» والإخوان... وهكذا حتى يعود المشهد فى مصر إلى حالته قبل ثورة 25 يناير وحتى يجد كل لاعب وسمسار وأفّاق لنفسه مساحة للعب ومكاناً فى قلب المشهد القادم! والحقيقة أن الصراع السياسى الحالى فى مصر يجرى فوق أرضية واحدة تقريباً، وتحركه قوى سياسية هى فى الواقع متشابهة إلى حد بعيد فى الأهداف والرؤى، الفروق فقط فى الآليات والإمكانيات والقدرة على التنفيذ! إن «السيسى» -حتى لو أراد- مستحيل أن يكون «مبارك» أو يسمح له الشعب بأن يكون كذلك، وحمدين لا يمكن أن يكون البرادعى بتكوينه السياسى الغربى المشوش الضعيف. إن حمدين ابن الناصرية بعقيدتها القومية وخلفيتها العسكرية يقدم وجهاً آخر للسيسى الذى يوصف بأنه امتداد للوطنية الناصرية ونموذج لزعامة شعبية أنقذت البلاد من الاستعمار الإخوانى كما أنقذ عبدالناصر مصر من الحكم الملكى والاحتلال البريطانى. ولا يستطيع أحد فى مصر أن يحدد أوجه الاختلاف بين شعارات حمدين والسيسى، الاثنان لا يمتلكان خططاً أو رؤى متعارضة أو مختلفة لحكم البلاد -بل إن كلاً منهما فى الواقع لم يقدم برنامجاً واضحاً لناخبيه حتى الآن- والسيسى من جانبه لا يقول إنه يكره اشتراكية «صباحى» ولم يرفض «صباحى» بدوره فى أى وقت فكرة أن يحكم مصر رجل ذو خلفية عسكرية! وفى النهاية.. كل هذا الضجيج عبث، ولا توجد سياسة فى مصر.. لا توجد أحزاب، ولا معارضة، ومن المبكر الادعاء بأن السيسى هو السلطة الجائرة، وحمدين هو المعارضة الشعبية، فالحقيقة أنهما بخلافاتهما الوهمية ومعارك أنصارهما الشخصية وانتخاباتهما الرئاسية المملة فى وادٍ، والشعب فى واد آخر تماماً يتسلى بفتاوى برهامى.. وينتظر الفرج!