كنت من المتوسمين خيراً فى تعيين المستشار مكى وزيراً للعد ل رغم دخولى فى نقاش وخلاف مع عدد من أصدقائى المستشارين والسياسيين الذين كانوا يراهنون على أن مكى إن لم يكن إخوانى التنظيم، فهو إخوانى الهوى وسوف يسعى جاهداً لحماية وترسيخ البقاء الإخوانى فى الحكم وليس حماية وترسيخ استقلال القضاء.. المستشار مكى الذى كان أحد رموز تيار الاستقلال وكان معارضاً للاستبداد والظلم والذى طالما انتقد حالة الطوارئ طوال عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، وقال فيها كما قال مالك فى الخمر خرج علينا باختراع جديد (يا كوتش)، وهو مشروع لقانون الطوارئ والحقيقة أن المستشار مكى يبدو أنه لم يكن ضد قانون الطوارئ ولكن ضد من يستخدمه فقط!! فلو استخدمه مبارك ونظامه يكون تقييدا للحريات وقمعا للمعارضين ووأدا للديمقراطية.. ولو استخدمه مرسى وإخوانه فهو حلال ومباح لأن الضرورات تبيح المحذورات!! مبررات المستشار مكى لإصدار قانون الطوارئ هى نفس مبررات الأنظمة السابقة لإصداره وهى نفس مبررات حبيب العادلى للمطالبة بمد العمل بحالة الطوارئ قبل ثورة يناير.. مبارك مد العمل بقانون الطوارئ تحت ادعاء حماية مصر من الإرهاب ومع ذلك شهدت مصر العديد من جرائم الإرهاب فى عهده، المستشار مكى يبرر الحاجة لقانون الطوارئ بالرغبة فى القضاء على البلطجة وأرد عليه بأن القوانين الحالية كافية لمواجهة البلطجة وحالات الانفلات الأمنى بل هى قوانين رادعة لهم لكن تحتاج إلى من يطبق القوانين وإرادة قوية لتطبيق سيادة القانون بحسم وجدية على الجميع بدون تمييز ولا نحتاج إلى قوانين جديدة قد تكون كرباجاً فى يد النظام ضد معارضيه. يا سيادة المستشار، مصر احتاجت إلى ثورة لإلغاء حالة الطوارئ التى عاشتها طوال 58 عاماً منذ ثورة يوليو.. أجيال ولدت وماتت فى عهد هذه الحالة المقيتة التى كرهناها وكرهنا كل من كان يدافع عنها فهى لم تمنع جريمة ولم توقف البلطجة كما تعتقد بل ترعرعت فى عهد الطوارئ جيوش من البلطجية برعاية أمنية حتى تحولت البلطجة إلى سلوك يومى لدى المواطنين وخرجت أجيال جديدة من البلطجية لا يعلم الأمن عنهم شيئاً حتى الآن. إن نصوص قانون الطوارئ الجديد الذى يبدأ به المستشار مكى عمله وزيرا (للعدل) فى مرحلة ما بعد مبارك، تجد فيها خبثاً كثيراً تجعله أكثر من مجرد قانون يقيد الحريات ويقهر المصريين ويعطى للرئيس حقاً لم يعد حقه. الغريب أنه وعقب الجدل السياسى والمجتمعى الذى أثاره مقترح مكى، لم يخرج علينا المتحدث الرسمى لرئاسة الجمهورية لينفى أو يؤكد هذا الموضوع وكأنهم يتركون الموضوع كبالونة اختبار لمعرفة ردود الفعل، فإذا مر مرور الكرام يصدر القانون وإذا اصطدم هذا المقترح بالقوى المدنية والسياسية يظهر علينا المتحدث الرئاسى ليغسل يديه منه وينفى قبول الرئاسة إعادة حالة الطوارئ وقانونها. المهم أن مكى الذى كنا نراه مستقلاً إبان حكم مبارك.. أراه الآن مناهضاً بمشاريع قوانينه وتصريحاته للاستقلال والحرية، فبالإضافة إلى اختراعه الطارئ لقانون الطوارئ، خرج علينا من أيام قليلة ليشن هجوماً حاداً على الصحافة، واتهمها بالكذب واستبعد إلغاء عقوبة الحبس فى قضايا النشر، وقال: «الموعد بعيد جداً على أن يتحقق حلم إلغاء عقوبة الحبس فى جرائم النشر، فالصحافة كاذبة ويحكمها سوء الظن وغلبة الهوى، والإعلام المصرى بشكل عام حالته متردية». أرى أن مكى بأدائه وتصريحاته، نصب نفسه درعاً وسيفاً للنظام ورئيسه، وأتصور أنه لو استمر كذلك، فسوف يضيع تاريخاً كنت أراه ناصعاً. Sahasaballa@hotmail. com