أضواؤنا فى المقالة السابقة كانت مسلطة بكل تركيزها على أجهزة الإعلام؛ وتحديداً كنا نشير بأصابع الاتهام إلى مسئوليتها المباشرة عن كثيرٍ من صور التردى الأخلاقى والانحراف السلوكى.. والتحرش الجنسى على رأسها. فى الظروف الطبيعية تُلح الطبيعة البشرية على صاحبها أن يبرر لنفسه أى جُرم تقترفه يداه.. مسألة شعورية أحياناًً ولا شعورية فى أغلب الوقت؛ قديمة بقدم الإنسان نفسه (فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله)؛ وسواء فى ذلك أكان المبرر قوياً أم واهياً؛ وهنا تكمن خطورة المشاهد الجنسية ومشاهد التحرش التى تعج بها كثير من الأفلام والمسلسلات، إذ إنها المسئولة بشكل مباشر عن تبرير المتحرش لنفسه ارتكاب هذا الجرم حينما تصور له المرأة سلعةً رخيصةً لن تردَّ يدَ لامسٍ أو متعرضٍ لها بسوء؛ وهذا هو ما استنكره «ارنست فيشر» Ernst Fischer فى كتابه «ضرورة الفن» وحمل فيه بشدة على الفن الهابط غير السوى الذى يجعل المرأة مجرد أداة لإثارة الشهوات، وإشباع الرغبات ويعطى عنها صورةً نمطية فى غاية السوء تجعلها مجرد سلعةٍ تُستهلك. واستوقفنى كثيراً أثناء متابعتى لحلقة برنامج «بتوقيت القاهرة» التى خصصها المرازى للحديث عن التحرش تفسير د. عزة كريم، مدير مركز حقوق المرأة، للنسبة المرتفعة من رجالٍ (62٪) اعترفوا بالتحرش الجنسى مرة على الأقل أسبوعياً، حيث أرجعت ذلك لمشاهدتهم الأفلام الجنسية ومشاهد الإغراء فى المسلسلات الدرامية. و نفس الأمر كان الدكتور أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسى قد أكَّد عليه من قبل حينما اتهمَّ صراحةً العرى والمشاهد الجنسية التى تحاصر الشباب على شاشات الفضائيات بأنها الدافع الرئيسى وراء هذا الانحراف السلوكى. أمَّا المواقع الإباحية الصريحة فأدهى وأمَرّ، تنخر كالسوس بلا هوادة فى بنيان المجتمع المصرى، ويرى الكثيرون أنها سبب رئيسى فى النظرة الحيوانية التى ينظر بها المتحرش إلى النساء.. سائر النساء. د. جوديث ريزمان Judith Reisman الباحثة الأمريكية فى شهادتها الشهيرة عن أخطار المواقع الإباحية على المجتمع أمام الكونجرس الأمريكى، نوفمبر 2004، استخدمت تعبير (non-human animals) وتعنى «حيوانات غير آدمية» فى وصفها للصورة الذهنية التى تطبعها المواقع الإباحية عن النساء فى أذهان الكثيرين. استباحة الأعراض هى تسلسل طبيعى لفكرة الإباحية، فمن ضغط على زناد السعار الجنسى لا يسأل بعدها فى صدر مَن ستستقر الرصاصة القاتلة.. «وللحديث تتمة».