عزيزي البعيد،، "لا غائب يعود كاملاً. لا شيء يُستعاد كما هو".. مريد البرغوثي هذه إحدى قوانيني الصارمة بالحياة، إن انتهى شيئًا ما لا أعود إليه مهما حدث فلن يكون كما تركته ولن أكون أنا كما كنت معه سابقًا، هذه إحدى مميزات كونك "الفتاة العاقلة جدًا" فسيتدخل عقلك بقوة في الوقت المناسب موقفًا قلبك عن الاندفاع الكامل نحو هلاكه. لم أنهِ علاقة ثم أعود لأستكملها من حيث توقفنا فأنا أدري جيدًا أنك حين تخرج من النطاق الخاص بأي أحد ستنقطع تلك الصلات غير المرئية التي كانت تجذبكم لبعضكم البعض ولن تجد أي وسيلة لإعادة وصلها مرة أخرى. "لا شيء يُستعاد كما هو" فلا يمكنك أن تُنهي مكالمة فجأة مع شخص ثم تستعيدها بكامل رونقها ولا يُمكنك أن ترسم نفس الخط بشكل مُطابق له تمامًا 100% مرتين متتاليتين، ولا يمكنك أن تنبهر بشخص من مسافة ثم تقترب فتجد تلاشي هذه الهالة المُبهرة فتقرر أن تعود أدراجك لتستعيد مرحلة الانبهار المدهشة تلك، لا شيء يمكن تركه ثم استعادته كما كان فهي سُنة الكون أننا نتغير ونعتاد، نعتاد الاقتراب ثم نعتاد الابتعاد ونعتاد الحب ثم نعتاد الوجع لا شيء يبقى بمحله صامدًا فحتى الجبال الجامدة تتغير والحيوانات تتغير والنباتات والجينات وكل شيء يتغيّر أو يتطور المهم أنه لن يبقى بنفس حاله أبدًا. "لا غائب يعود كاملًا" فالغياب دائمًا ما يقصف بداخلك أشياء كنت تُظن أن وجودها من المُسلّمات ولا تفكر حتى كمجرد تفكير أنها ستذهب يومٌ ما ولن يمكنك أن تعيد ترتيب هذه اللحظة التي تظنها كاملة مرة أخرى، لا يمكنك أن تعود بعد غياب لتجد الإنسان بمشاعره ثابتًا كما تركته كأحد جمادات غرفتك الموضوعة بعناية ولم يتغير به شيء يُمكن أن يعلوها بعض التراب الذي ستمسحه وستجد كل شيء حولك يلمع كالجديد أو هكذا ستتخيل فحتى هذه الجمادات عزيزي تتغير فالتراب هذا يتسلل لدواخلها ويملأ أي شق يجده أمامه لن تستطيع أن تزيله وبالتالي حتى الجماد لم يعد كما كان ولن تستعيده سوى باستبداله. مهما اشتقت لعودة أحد ما لحياتك أو حتى لعودة تلك الحالة التي كنت تعيشاها معًا فلن تسعيدها بنفس تفاصيلها مرة ثانية حتى لو حاولت تكرارها بنفس التفاصيل، فالانبهار الأول لا يعود والفرحة الأولى يبقى جمالها في كونها "الأولى" المفاجئة التي دغدغت قلبك داخلك وأخرجت تلك الابتسامة المُشرقة على وجهك، بعض الأشياء ستحتفظ بجمالها في بقائها كذكرى "كانت" ولن تتكرر مهما حاولنا. سيكون أملك في أن تصنع بدايات جديدة وفرح "أول" جديد. الفتاة العاقلة عزيزي ملّت من تعقلها وملّت من ترتيب كل شيء حولها بمكانه الصحيح وودت لو تندفع بنوبة جنون تغير فيها كل شيء حتى قوانينها الصارمة فربما تعود وتجد كل ما كان مثلما تركته وتستكمل من حيث توقفت، ملّت تصوراتها المُحكمة لما تُريد وتحتاج بحياتها وعدم التنازل عنه وملّت الانهيار الجزئي داخلها والذي تُخفيه جيدًا بالابتسام والمزاح وملّت تواجدها وحيدة لعدم سماحها لأي أحد بالاقتراب فهي تطلق رصاصة الرحمة على كل علاقة في مُستهلها وتحكم عليها بالفشل المُطلق وتبتعد بكل عقل حتى لا تستنزف نفسها ووقتها في غير محلهم.. هي التي أحبت حتى الثمالة قررت ألا يُذهب أي حب عقلها مرة أخرى. ولكنني مللت تعقلها الذي يبدو مُزيفًا أحيانًا وكأنه مجرد درع يقيها خيبة الأمل أو ربما هذا ما تعلّمته من حياتها وحياة من حولها أن تُبقي عقلها يعمل طوال ساعات اليوم- رغم أنه شيء مُجهد للغاية- فتبقى دائمًا تحلل كل كلمة وخطوة وقرار وما تُجيده كثيرًا هو تنفيذ القرارات بصرامة وكأن الكوكب سيتوقف أن لم تفعل ذلك، فإن قررت أن علاقة ما انتهت فهي تكون انتهت مهما حدث بعد ذلك من أمور رائعة أو محاولات مستميتة من الطرف الآخر لإثبات عكس ما قررت فهي تعرف جيدًا أنها مجرد محاولات لاستبقائها فقط ولكن بعد ذلك سيعود كل خطأ عاملًا بمكانه ولهذا يا عزيزي تتمسك بشدة بقانونها الأثير "لا غائب يعود كاملاً، لا شيء يستعاد كما هو." لن تعود هي كما كانت من عدة أشهر أو سنوات ولن تكون بعد بضع سنوات نفس فتاة اليوم التي تكتب للبعيد.