ودعت أمي استعدادا للمغامرة الجديدة في التكليف مطمئنا إياها أنى قد أغيب ليومين أو ثلاثة حسب الظروف ودعتنى داعيه لى بالتوفيق وهى تلاحقنى بنصائحها الغالية "اهتم بالناس الغلابة.. وملكش بركة إلا همّا" و"اوعى تبص للفلوس عشان ربنا يباركلك فى صحتك". وصلت إلى الوحدة وفور دخولي إلى سكن الأطباء أدركت أن أم حمادة قد قامت بالواجب، زجاجة الفنيك الساحره القادره على صنع المعجزات تحول المكان الذى كانت الحشرات بالأمس القريب تجهز منه خطه لغزو كوكب الأرض إلى سكن محترم خصوصا وقد قامت أم حماده بغسيل جميع الملايات والستائر مع لمسة من الديتول فى كل مكان الذى يرغمك على الشعور بإحساس قوى من النظافة. الآن نتعرف سويا على الجهاز المعاون لي في الوحدة، أولا ودائما وأبدا أم حمادة التي وكما أسلفت سابقا تعتبر بمثابة وكيل وزارة الصحة في قرية الشهابية.. كلمتها مسموعة وأمرها نافذ.. وحصول طبيب الوحدة الصحية على رضاها لا يقل بأى حال من الأحوال عن الحصول على الدكتوراة من أعرق الجماعات المصرية بل العالم، فالدكتور التى تثنى عليه أم حماده هو ولا بد استشارى على قدر كبير من العلم، ويحصل أوتوماتيكيا على حب واحترام وتقدير أهل القرية جميعا بلا استثناء. ولكني أشهد الله أننى لم أر قط يوما شخصا يهتم إلى هذه الدرجة بأهل قريته ويسعى إلى توعيتهم بصدق إلى درجة المرور على المدارس لمراقبة مستوى نظافة الأطفال، وإستدعاء الأم التى تثبت عليها تهمة الإهمال فى نظافة أبنائها إلى الوحدة الصحية بأمر من أم حماده لتحصل على العقاب الملائم الذى يكون فى العاده الحرمان من تركيب "اللوّلوّ". تترأس أم حمادة عددا لا بأس به من الممرضات ثم يأتى بعد ذلك يأتى المراقب الصحي.. فنى المعمل.. وكاتب الوحدة.. و3 زائرات صحيات.. والعمال.. وأكبرهم سنا أم محمد التى تعتبر بمثابه نجم القرية الساطع فى عمل الفطير البلدى. تعرفت سريعا على الأدوية في صيدلية الوحدة التي لا تعدو كونها مجموعة من الإضداد التى وضعت بجوار بعضها فى نفس الرف ضد الديدان - ضد الحساسية- ضد حيوى - ضد الضغط - ضد السكر. انتهيت من العيادة وكتبت لكل مريض الضد المناسب لحالته مع بعد الإضافات من الخارج بالطبع التى لن تبلغ نسبه شرائهم لها 14% على أحسن تقدير. صعدت إلى السكن واستغرقت في النوم سريعا إلى أن صحوت على طرقات على الباب لأجد أم محمد قد أعدت لى على سبيل الضيافه أروع كوليكشن من الفطير البلدى والجبنه القريش والعسل، إنه ذلك النوع النادر من الفطير الذي يجعلك تفكر جديا أن تستمر في هذا المكان إلى الأبد. في العادة ينصرف كل العاملين بالوحدة في حدود الساعة ال6 مساء ويتركون الطبيب وحيدا لتصبح الوحدة الصحية "وحدة" فعلا يقاسيها الطبيب بمفرده حيث يمر الوقت صباحا دون أن تشعر به، أما فترة المساء فتمر وكأنها 40 عاما كاملة، لم تكن الكهرباء في هذه المناطق النائية من النوع المنتظم.. فكان الحل العبقرى هو مولد الكهرباء الذى يعمل بكفاءة نادرا صباحا ويصيبه الشلل ليلا، لتتمتع بالشمس والكهرباء صباحا، وتغرق طوال الليل فى ظلام دامس. وإليك الآن عزيزي القارئ الصورة الكاملة.. وحدة صحية كاملة خالية إلا من الطبيب جالسا في الظلام يعجز عن رؤيه كفه إذا رفعها أمامه بالإضافة إلى كمية مهولة من المؤثرات الصوتية، أبواب تفتح وتغلق بفعل الرياح - ذئاب تعوى - كلاب تنبح - خطوات هنا وهناك - أصوات الرياح العنيفه القادمه من البحر الذى يبعد عن الوحده أقل من كيلومتر واحد. ويمكنك أن تلمح على مسافة قريبة أضواء الكشافات تنير بشكل متقطع مما يؤكد لك أن هناك عملية تسليم مخدرات تتم على مقربة من هذا المكان. جربت أن أسحب كرسيا وأجلس في الظلام فوجدتها فكرة غير صائبة على الإطلاق فاتخذت قرار مفاجأ بالنوم.. أنا.. أنام الساعه 8 مساء.. إنه حدث جلل لا يقل أهمية عن ظهور كائن فضائى فى ميت غمر أو إرتطام أحد النيازك بكوبرى طلخا وهكذا بدأت فى تجهيز نفسى للنوم ولكنى كالعاده كنت واهما. (ملحوظة: الآراء المنشورة في قسم "م الآخر" كتبها القراء، ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع وجريدة "الوطن"، وإنما تعبر عن آراء أصحابها)