"دخلي أول كشف يا أم حمادة" وأم حمادة هي رئيسه التمريض، والتي أصبحت فيما بعد ذراعي اليمين في الوحدة، وذلك نظرا لحبها الشديد للقرية وقناعتها بضرورة تواجد طبيب رجل في الوحدة حتى يستطيع القيام بالتدخلات الجراحية البسيطة التى لا تستطيع الطبيبة الأنثى (من وجهة نظر أم حماده طبعا.. أم حماده بس والله) أن تقوم بها. وفي سبيل ذلك بذلت كل الجهد لمساعدتى على تثبيت أقدامى فى أول أيامى فى الوحده. - "إيه ده أمال فين الدكتوره.. مين ده يا أم حماده".. بمنتهى الجليطة قالتها المريضة الأولى. زغرت لها أم حماده "زغره" ذات معنى .. "ده الدكتور الجديد ياوليه انتى معندكيش نظر". هشت المريضه وبشت بفضل المفعول السحرى لزغره أم حماده، وذلك لما تتمتع به أم حماده من سلطه عليا فى القرية لسيطرتها التامه المكتمله على وحده تنظيم الأسره وقدرتها على تركيب " اللوّالوّ"، جمع مفرده " لوّلوّ"وصرف الكميات الشهريه من حبوب منع الحمل.. للراغبات. - أهلا بيك يادكتور نورت الشهابيه. - خير ياستى، إيه اللى تاعبك؟. - لامفيش حاجه أنا كنت جايه أخد شربه الديدان للعيال. - من غير كشف كده ولا حاجه؟! - اه عادى اكتبهالها على التذكره بس حاضر لما نشوف اخرتها معاكم اللى بعده .. - "إيه ده أمال فين الدكتوره ..... مين ده يا ام حماده " يييييييييييييييه .... ده باين اليوم ده مش معدى ما بين متقبل للفكره ورافض للكشف وطالب للدواءمر اليوم الأول من العياده بسلام دون حدوث أى خسائر تذكر، وجدير بالذكر أنه فى هذا اليوم حضر إلى العياده حوالى 34 كشف كلهم من السيدات، وعندما سألت أم حماده متعجبا عن هذا السر صارحتنى بأن رجال القريه يتحرّجون من توقيع الكشف عليهم بواسطه طبيبة. - طب واللى يتعب منهم بيروح فين. - بيقول مراته وهى بتجيبله الدوا يادكتور هانى. - كده من غير كشف. - مهو من هنا ورايح هايبقى فيه كشف بإذن الله. قالتها بإبتسامه عريضه وهى تنظر لى نظره إمتنان أحسست بعدها أننى على أقل تقدير "فليمنج" مخترع البنسلين، ثم أتبعت قائله "بس متقلقش أنا وصيت إمام المسجد بعد صلاه العشا النهارده يذيع فى الميكرفون إن فيه دكتور راجل بيجى الوحده 3 أيام فى الأسبوع" - شكرا يا أم حماده.. "وصلتينى للعالمية" . علمت يومها من الدكتوره أنها سوف تخلى العهده من الصيدلية، وسوف أتسلم أنا الصيدلية بكل مافيها من تذاكر (س 18) و(ع 148)، والعذاب المقيم المطلوب من الطبيب الأول بتسجيل كل الأدوية التى تم صرفها بشكل يومى فى دفاتر الصيدلية، وهى المهمه المنوط بها الصيدلى اللى هوه مكانش موجود أصلا. - "اظاهر كده إن الموضوع كبير وأنا مش واخد بالى" قلتها موجها خطابى لكليهما، أم حماده التى كانت ترافقنا فى الجوله والدكتورة. - "متقلقش يادكتور هانى، أنا هساعدك فى موضوع الصيدلية ده"، قالتها ذراعى اليمين فى محاوله لبث الطمأنينه بخصوص مايتعلق بالسواد اللى أنا داخل عليه. - :ماشى يا أم حماده متشكرين أوى أوى والله". علمت أيضا من الدكتوره أنها معرضه للوضع فى أى لحظه الآن، وممكن فى أى وقت تبلغ المرضى وساعتها سأصبح أنا المسؤول الأول عن الوحده، وهو ماكنت أخشاه، لأنه سيكون من الواجب على البيات فى هذا "الهوّ" وحدى على الأقل ثلاث أو أربع ليالى فى الأسبوع دون أى وسيله ترفيه تذكر، ولكنه الواجب الوطنى على رأى الاستاذ عبد الشافى. مررت سريعا على السكن الخاص بى فى الدور العلوى لأجد كميه مهوله من الحشرات، أغلب الظن أنها كانت تستعد لمعركه غزو الأرض والقضاء على الجنس البشرى تماما. أثرت ألا أفسد عليهم تخطيطهم وأغلقت السكن مره أخرى بهدوء حتى لا أتسبب فى مقاطعه إجتماعهم الهام، وأوصيت أم حماده قبل أن أمشى أن تأتى بمن يقوم بتنظيف السكن، وحاولت إقناعها أننا قد نحتاج إلى القنبله الهيدروجينيه للقضاء على هذا الكم المهول من الحشرات فردت قائله "هيا ديّتها قزازه فنيك والله يادكتور هانى، وتلقى السكن زى الفل". شكرتها مقدما، وخرجت من الوحده سريعا متجها ناحيه السيارة المركونه أمام الوحدة، وجدت عليها طبقه سميكه من أطفال القريه، أزلتها برفق ثم رجعت منهيا اليوم الأول ممنيا نفسى بقدر كبير من "الأكشن" ينتظرنى فى هذا المكان، وهو ماكان بالفعل. (ملحوظة: الآراء المنشورة في قسم "م الآخر" كتبها القراء، ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع وجريدة "الوطن"، وإنما تعبر عن آراء أصحابها)