داخل محل والده، قبع الطفل "مدحت" صاحب ال5 سنوات، راقب أباه فوجده منهمكًا في تطريز إحدى الأقمشة التي تتحوّل في يديه إلى سُترة ربما، أو بنطلون أو حتى قميص، استغل الطفل تلك اللحظات، فانزوى في ركن بعيد بالمحل، قابضًا على يديه بقطعة من الطباشير الأبيض، ثم همّ بالرسم على الجدار، صورة لوالده الترزي، أو لأحد جيرانه، قبل أن يصب الوالد غضبه على ابنه بعد الذي فعله، يراقب بعينيه ما صنعت يدا ابنه، يخاطبه في حنان "برافو عليك يا مدحت.. إيه الحلاوة دي.. انت فنان". مع مرور السنوات، تدرّج الطفل الصغير ليصبح شاباً، مُعلقًا على جدران بيته شهادة دبلوم التجارة، فيما يبحث كبقية شباب جيله على فرصة عمل، من داخل إحدى المطابع، حيث كان يعمل في جمع القصاصات الورقية، مرورًا باستديوهات التصوير، وأخيرًا موظفًا للأمن بإحدى الشركات بالمنطقة الصناعية بمدينة نصر، لم يترك هوايته في الرسم قط، ولكن الفرصة المناسبة لم تحن له بعد، يقول "مدحت": "أصلي أنا من مواليد سنة النكسة 1967"، قبل أن يُعلّق ساخرًا: "أكيد لازم النحس يكون ورايا"، اقترض أصول الفن من والده "عم زكي" الترزي، والذي كان يقوم بتصميم الملابس بشكل مختلف "هو اللي أصقل الموهبة عندي وشجّعني.. لكن للأسف حظي وحش". على اللوحات، يرسم "مدحت" بجميع الأدوات، يتقنها ببراعة "مفيش حاجة أعجز إني أرسمها"، لوحات زيتية، أو فحم، أو حتى بالطباشير يُنهى "مدحت" لوحته الإبداعية، لا يتذكر أولى اللوحات التي رسمها، لكنه يأمل في كل مرة يرسم فيها ألا تكون الأخيرة.. مع آخر أيامه في مهنة الحراسة، يوضح الرجل الأربعيني أنه تمنى من الله أن تظهر موهبته إلى العلن، خوفًا من التقدم في العمر، الذي يقتل الإبداع، يقول الأب لطفلين "للأسف أنا نتاج 30 سنة ظلم من حكم مبارك.. مقدرتش ألاقي فيها مكان أظهر فيه موهبتي.. يا رب الأيام اللي جاية تكون أحسن"، قبل أن يُشير إلى محاولته الناجحة في استئجار محل صغير، استخدمه ك"آتيليه" صغير يعرض فيه لوحاته.