مرفّهاً، انضممت إلى القوات المسلحة ك«جندى» يؤدى شرف الخدمة العسكرية. ركبت «القطر الحربى» من قلب الصعيد فى ليل الشتاء القارس، متجهاً إلى معسكر تدريب قوات المشاة فى قلب الدلتا، لأقترب من جملة «هموت من البرد» فعلاً.. وليس إحساساً. وصلت فجراً لأقف على باب المعسكر «مجرد رقم» أردده وقوفاً وقعوداً من أجل «التمام». خلف الباب كان الزئير يدوى بكلمة مرعبة «صااااعقة»، قبل أن أدخل عبر الباب، مخلفاً ورائى شخصيتى القديمة، وأخرج - بعد نحو العام - من باب وحدتى الأساسية بشخصية جديدة. لن آخذك معى كثيراً إلى فيلم «عبود على الحدود»، أو إلى حكمة «الجيش مصنع الرجال» لأنك لن تؤمن بها إلا إذا انضممت للجيش بالفعل.. ولم تكتف بمشاهدته «فيديو». فقط أريد أن آخذك للحديث عن مبدأ «السمع والطاعة» الذى حرك - ويحرك - البلاد منذ 25 يناير، لأنه حرك - ويحرك - المجلس العسكرى.. وجماعة الإخوان. لنبدأ من الجماعة، فالتنظيم استخدم «السمع والطاعة» كسلاح ردع ماضى التأثير وقت الحرب.. والسلم. فى الحرب بالمرابطة فى ميدان حرب الثورة - التحرير - لمواجهة الأعداء، سواء كان الأعداء ممثلين فى نظام بائد وفاسد أو نظام يقف فى وجه طموح الجماعة وأهدافها. وإذا جاء وقت الهدنة، استخدم قادة المفاوضات أو المساومات أو الصفقات (اختر لها الاسم الذى تراه) المبدأ نفسه ك«ورقة ضغط» لتحقيق الغايات، فأعضاء الجماعة فى الالتزام بتنفيذ الأوامر سواء، لا فرق بين غنى أو فقير.. حامل للدكتوراه أو للشهادة الابتدائية.. مقتنع أو غير مقتنع بقرار الجماعة. فقط «السمع والطاعة»، ولا اختيار آخر. أما فى السلم، لا تذهب إلى الماضى أو «الاشتراك الشهرى» الذى يدفعه أعضاء الجماعة، وإنما «ركز» معى فى الحاضر، وأجب عن هذا السؤال: ما معنى أن ينفذ - مع احترامى لمبدأ مشاركة المجتمع - أعضاء الجماعة برنامج المائة يوم الذى تعهد به الرئيس.. أين الدولة يرحمنا ويرحمكم الله؟ لنذهب إلى «السمع والطاعة» على الوجه الثانى ل«عُملة الثورة».. المجلس الأعلى للقوات المسلحة. صحيح أنه انحاز إلى الثورة، وصحيح أيضاً أنه ارتكب أخطاء تصل لحد الكوارث طوال الفترة الانتقالية، غير أن المحرك الرئيسى والأساسى فى الحالتين - الانحياز والأخطاء - هو «الخوف» من حدوث «انشقاق» فى مبدأ السمع والطاعة داخل المؤسسة العسكرية، ليضيع المجلس.. وتضيع ربما البلد. المجلس على مدى الفترة الانتقالية كان يمشى على جمر الأزمات، ولا يقوى حتى على إصدار زفرة ألم. مبدأ «السمع والطاعة» - من وجهة نظرى - كان سيفاً فى يد الجماعة.. وسيفاً فى ظهر المجلس العسكرى.