أحمد طه النقر ماذا يحدث بالضبط علي أرض مصر؟!!.. هل هو انقلاب عسكري صامت اقترن فيه تعطيل عمل البرلمان ونقل صلاحياته التشريعية للمجلس العسكري مع قرار غريب من الحكومة يمنح الضبطية القضائية لعناصر الشرطة العسكرية والمخابرات الحربية؟!.. كيف يتم إقحام المخابرات الحربية في الحياة المدنية ومنح أفرادها حق توقيف المواطنين بهذه الصورة المُريبة؟!.. ثم كيف سيتعرف المواطنون علي هوية أفراد المخابرات الحربية عندما يتعرضون لهم ؟.. إذا لم يكن مسموحا لهم بالكشف عن هوياتهم فإن أي نصاب أو بلطجي يمكنه توقيف المواطنين في عرض الشارع وابتزازهم بزعم أنه مخابرات حربية..ولو سُمح لهم بالكشف عن هوياتهم فلن يصلحوا بعد ذلك للعمل كعناصر مخابرات لأن السرية التامة أساس عملهم!!.. هذه خطيئة بكل المقاييس في حق القوات المسلحة ومخابراتها أولا ، وجريمة في حق الثورة التي رفعت شعارات الحرية والكرامة الإنسانية ثانيا، فضلا عن أنها خلط للأمور والاختصاصات يثير الشكوك والتساؤلات.. ويضع الجيش في مواجهة الشعب.. ويبدو أن مَن فعلوا ذلك لم يكفهم عام ونصف من دق الاسافين بين الشباب والجيش فقرروا تصعيد الشقاق والكراهية ليكون بين الجيش وكل أبناء الشعب!!.. ولو كانت هذه الإجراءات تمهيدا لمجيء الفريق أحمد شفيق بشرعية الصناديق" ليعيد إنتاج نظام الرئيس المخلوع ، وتحسبا لثورة غضب ثانية يقودها الشباب ،فإننا ربما نكون علي أبواب حرب أهلية لا قدر الله.. والحقيقة أن شفيق لم يُخف نواياه إذ أكد أن موقعة العباسية التي استُخدمت فيها القوة المفرطة ضد المتظاهرين كانت مجرد "بروفة" لما ينتظر المتظاهرون تحت رئاسته!!.. أما إذا استعان الفريق شفيق بكوادر الحزب الوطني المنحل التي خاضت معه معركة الانتخابات بحماس ظاهر ورغبة في الإنتقام من الثوار ، وبكل ما يملكون من إمكانات مادية وتنظيمية أملا في العودة للإمساك بتلابيب البلاد واستئناف جرائم الفساد والاستبداد التي افقرت الوطن ودفعته الي هاوية الخراب والتبعية، فإن مصر ستواجه ثورة ثانية لا محالة ستكون بالقطع أكثر دموية وشمولا.. وهنا سنكون أمام خطيئة، بل جريمة اخري من جرائم المرحلة الانتقالية التي لا نري لها أي نهاية في الافق!!.. ولكن الاخطر والاكثر إيلاما أن القوي الثورية ستكون قد تعرضت لخديعة تاريخية وسنكون أمام صورة بالكربون من السيناريو الروماني الذي تم خلاله تصفية ثورة الشعب ضد شاوشيسكو علي يد احد جنرالات الديكتاتور!!.. ولو تحققت هذه التوقعات أو المخاوف فسوف تكون نهاية مأساوية طبيعية للبداية الخاطئة التي فُرضت علينا عبر صفقة واضحة بين المجلس العسكري والاخوان المسلمين وحلفائهم من الاحزاب الإسلامية، حين دُفعنا الي خيار إجراء الانتخابات البرلمانية قبل وضع الدستور..ناهيك عن جريمة التعديلات الدستورية المشوهة وتديين الاستفتاء علي تلك التعديلات لتضليل البسطاء وتزييف الإرادة الشعبية التي أشهرها الإخوان المسلمون وحلفاؤهم سيفا مسلطا في وجه كل مَن حاول التنبيه الي الأخطاء المنهجية والاستراتيجية المُروعة التي وقعت خلال المرحلة الإنتقالية خشية أن يعوق ذلك مسيرتهم وزحفهم المُقدس نحو السلطة..والحقيقة الواضحة كنور الشمس في رائعة النهار ، والتي لم يرها قادة الإخوان في اندفاعهم الاعمي للاستئثار بالسلطة أو التي أغمضوا عيونهم حتي لا يرونها ، أنهم فقدوا كل شيء تقريبا.. فقد خسروا تعاطف الناس معهم وتأييد الشارع لهم.. وخسروا السلطة التشريعية المتمثلة في البرلمان المعطل.. فضلا عن أنهم فقدوا ثقة القوي الثورية التي حاولت إعادتهم الي معسكر الثورة ولكن خمر الطمع في السلطة كانت أقوي.. آخر محاولات القوي الثورية معهم كانت منذ ثلاثة ايام، بعد ساعات من صدور حكم الدستورية العليا بإبطال البرلمان، إذ حاولت إقناعهم بسحب مرشحهم لإفساد هذا "السيناريو الروماني الواضح".. ولكنهم أبوا لأنهم واثقون من الفوز بالرئاسة فيما يبدو ..والذي لا يُدركه قادة الإخوان حتي الآن أنهم حتي لو فاوزا بالرئاسة فإنهم سيواجهون حقل ألغام بالغ الخطورة يتمثل في أن الجماهير والقوي السياسية باتت تتشكك في نواياهم ، ناهيك عن ادائهم السياسي الكارثي منذ الانتخابات البرلمانية وحصولهم علي اكثرية المقاعد..لم يفهم الإخوان الفارق بين إدارة جماعة تقوم علي تنظيم سري مغلق أساسه السمع والطاعة ، وبين إدارة دولة بحجم مصر..ومما يدعو للدهشة والاستغراب أن تبدو الجماعة وحزبها السياسي علي هذا القدر المُلفت من غياب الحنكة والرشد السياسي.. إذ ترفض قيادات الجماعة والحزب الاستماع لنصح حتي هؤلاء المفكرين المحسوبين علي معسكرها ، بل إنهم يرفضون بصلف الاعتراف بأخطائهم البادية حتي للكثيرين من كوادرهم ، وخاصة من الشباب.. والأدهي من ذلك أنهم يواصلون اقتراف هذه الأخطاء القاتلة التي تعزلهم عن القوي السياسية وتوغر صدورها كمن يسير مغمض العينين الي حتفه المحتوم.. وأعتقد أن المحللين السياسيين الذين يرون أن الجماعة تنتحر سياسيا، وربما تنتهي في مستقبل منظور ، لم يبالغوا كثيرا أو يبتعدوا عن الحقيقة.. وكانت آخر خطايا الإخوان الجمعية التأسيسية الثانية التي لم تحقق التوافق الوطني ولم تحترم حكم القضاء الإداري الذي قضي بأن يكون جميع أعضاء الجمعية من خارج أعضاء البرلمان مما يهددها بالبطلان كذلك. ورغم الإتفاقات الاخيرة بين الإخوان وشخصيات عامة مختلفة ، فإن القوي الثورية مطالبة بأن تكون علي أهبة الإستعداد لإستئناف الثورة من جديد سواء ضد بقايا النظام القديم بكل فساده وإستبداده أو الإخوان الذين أثبتوا أنه لا عهد لهم لإصرارهم علي الإستفراد بالسلطة ، وإختطاف الدستور لإقامة دولة دينية تتجاوز مرجعية الازهر الذي أصروا علي تصنيف ممثليه بالجمعية ضمن القوي المدنية وليس الإسلامية!!..الثورة يجب أن تستمر في كل الاحوال حتي تحقق كل اهدافها..