حينما تعرّف علي زوجي، كان منبهرًا بشخصيتي الفولاذية، الممتزجة برجاحة عقلية، المتوّجة برقّة أنثوية غير عادية، وحاول التقرّب مني بشتى الطرق، حتى وقعت الطوبة في المعطوبة وتمت خطبتنا الميمونة. وبعدها بدأ يتفاخر بي أمام أصدقاءه وأقاربه وكل من يعرفه، وكلما تحدثت أفسح لي مكانًا كي يسمعني أكبر عدد ممكن من الناس، كما كان يلقي بنظرة جانبية للمحيطين إذا قلت رأيًا سديدًا، أو علّقت تعليقًا طريفًا، أو أدليت بنصيحة خالصة لوجه الله، وكانت نظرته مليئة بالفخر الشديد الممزوج بالإعجاب. تزوجنا في حفل مهيب، لأجد نفسي ولأول مرة أمام شخص لا يزعجه شئ قدر انزعاجه سماع صوتي، فكلما قلت رأيًا لوى فمه بسخرية وهو يقول "افتي يا مفتي"، وكلما علّقت تعليقًا نظر إليّ بغيظ وهو يقول "ودا وقته بالذمّة"، وكلمة نصحته نصيحة خالصة لوجه الله قال وملامحه كلها تستشيط غضبًا "ياريت تنقطينا بسكاتك"، واحترت في أمره وكنت أتساءل عن سبب تغيّره المفاجيء، حتى جاءني الرد بأسرع مما كنت أتصوّر. فقد كان زوجي مترددًا في الكثير من أموره ولا يعرف كيف يحسم قراراته، وكان رأني هادئة رزينة محددة الأهداف شعر بالغيظ والغيرة وتمنى لو يملك نفس الشخصية، وحاولت كثيرًا علاج هذا الأمر دون فائدة، حتى وجدتني مع الأيام التزم الصمت خوفًا من اتهامي بالثرثرة وحب الظهور والتسلّط، وتهم أخرى كثيرة أنا بريئة منها. ومع الأيام أصبحت أجلس أمامه وسط الناس، وكأننى لا أسمع لا أرى لا أتكلّم، لأجده يجلس بكبرياء واضعًا ساقا على ساق، ليردد أمام الناس أحد نصائحي الشهيرة أو كلماتي المأثورة، تمامًا كما لو كانت من بنات أفكاره ومن عصارة تعبة وشقاه.