ترددت كثيرا قبل أن أكتب اليك قصتي, فقد كنت أظن اني من رجاحة العقل والعلم والخبرة ما استطيع به حل مشكلات الناس فضلا عن مشاكلي, وكنت استهين بمن يكتبون لك, حتي استيقظت فجأة علي حقيقة أمري. سيدي لقد ترعرعت في أسرة طيبة وعريقة, أنا طبيبة عمري50 عاما, أعمل وأقيم في فرنسا, أبي هاجر في فترة شبابه الي فرنسا مع أمي وثلاث بنات أنا أصغرهن كنت الأكثر تميزا بين اخوتي بشهادة الجميع دينا وخلقا وعلما ومعاملة وجمالا, وكان الجميع يشيد بجمالي فقد كان جمالي خلابا, جمعت بين الملامح العربية والشعر الأصفر والعيون الزرقاء. اختار أبي مدينة صغيرة شمال باريس حيث فرصة العمل المتاحة له, تفتحت عيني علي أب قاس شديد رغم ايماني الشديد بانه ملجؤنا الوحيد وانه ضحي بأشياء كثيرة من أجلي, وأجل أخوتي, كنت دائما أحس بعدم الامان والخوف الشديد من الناس, كان أبي وأمي وراء احساسي أنا وأخوتي بذلك فلم تكن علاقتي بأبي طبيعية بأي حال من الأحوال, لم تكن هناك أي لغة للحوار بيننا لذلك نشأت متمسكة برأيي ومخالفة لكل رأي يريده ابي وان كان محقا فيه, تقدم لي شاب يكبرني ب15 سنة, وعمري وقتها18 سنة كان يسكن ويعمل في باريس, كنت كأي فتاة انبهرت بترك مدينتنا الصغيرة والانتقال لباريس مدينة الأحلام والاضواء, خطيبي وعدني بتكملة دراستي وفعلا قدمت اوراقي لدراسة الطب في جامعة بباريس, صممت علي الزواج منه رغم عدم ترحيب والدي, لا أعرف ان كان تصميمي كان نابعا من رغبتي في الاستقلال عن أبي أم أني صممت علي إتمام الزواج فقط لمعارضة والدي أم لإحساسي بالملل؟! عموما تزوجت وعمري19 سنة بشاب عمره35 سنة, عشت معه اجمل3 أسابيع في حياتي, وبعد انتهاء شهر العسل تحول لانسان مختلف تماما, من ضرب وإهانة وتجريح, وفجأة بعد6 أشهر كان زوجي في زيارة لمصر وتوفي في حادث سيارة في القاهرة, لأجد نفسي فجأة أرملة في العشرين من عمرها وفي مدينة لا تعرف فيها أحدا! استمرت حياتي في باريس5 سنوات انهيت فيها دراستي وأصبحت طبيبة كانت أسعد5 سنوات في حياتي كلها, بعد انتهاء دراستي والدي صمم علي رجوعي للعيش معهم في تلك المدينة الصغيرة, كان أكبر خطأ في حياتي, نفذت رغبة والدي وعملت طبيبة في مستشفي قريب من المنزل. هل تعرف سيدي معني أن تجلس فتاة أرملة في منتصف العشرينات من عمرها في مدينة صغيرة في بلد أجنبي بدون أصدقاء أو معارف, فقط مع والدتي ووالدي, حتي اخوتي تركوا المنزل وكل يعيش وحده, حياتي من الشغل للبيت ومن البيت للشغل, وهذا معناه ملل علي ملل, واحباط ويأس ووحدة, معناه عنوسة واحساس بالفشل ووجع من كل نظرة عطف أو شفقة أو دعاء بالعدل من أمي, أنا الفتاة الجميلة المثقفة المتعلمة بدأت أخاف من العنوسة. تعرفت علي شاب يكبرني بست سنوات جار عمي في مصر, وهو طبيب, خوفي من عدم الزواج ومشاعر الأمومة التي تلح علي وتفكيري المتفتح جعلني لا أمانع في الاتصال بهذا الشاب, وترتيب لقاء في مصر, أول مرة رأيته فيها شعرت بإحساس غريب, أحسست بأنه فارس أحلامي, انجذبت لهدوئه وشكله, قابلته لمدة أسبوع واحد فقط, هي مدة اجازتي في مصر, وفي نهاية الاجازة كنت قد تعلقت به تماما واتفقنا علي كتب الكتاب لاستطيع انهاء اوراق اقامته في فرنسا, والدي عارض تماما الموضوع ويمكن لذلك صممت علي كتب الكتاب بعد اسبوع واحد خطبة وكانت أكبر أخطاء حياتي. بعد رجوعي لفرنسا تحول خطيبي لانسان آخر, غير مهتم بي أو بمشاعري أو حتي بمستقبله في فرنسا, اكتشفت انه شخصية انطوائية وسلبي ودائما معتمد علي في أي قرار, حتي مصاريف الاقامة والتأشيرة وتذاكر الطيران طلب مني دفعها بحجة انه مزنوق وهيدفعلي الفلوس أول ما يوصل فرنسا, اكتشفت فرقا كبيرا في طريقة التفكير بيني وبينه, فهو غير مثقف علي الاطلاق, وسطحي في تفكيره, أحيانا كثيرة كنت اشعر انه مش فاهم كلامي أو مش مهتم به. المهم استمررت في اجراءات الزواج في فرنسا فقد اصبحت مشاعر الأمومة تلح علي, وكلما تضايقت أقول لنفسي أهي جوازة والسلام بعد5 أشهر وصل خطيبي أو زوجي لفرنسا, والدي كان معارضا لموضوع الزواج تماما, مكنتش فاهمة أسباب والدي في الرفض هل تعرف سيدي احساس الأرملة المهددة بأن تكون مطلقة في ثاني تجربة لها؟! صممت علي إكمال الزواج والانتقال للعيش معه رغم اختلاف الشخصية الكبير بيننا ورغم معارضة والدي, كان زوجي سلبيا بشكل كبير, اعتمد علي ماديا في تأجير المنزل وفرشه ومصاريف دراسته حيث فشل في ايجاد أي فرصة عمل كطبيب, وكذلك فشل عدة مرات في امتحان المعادلة, بعد سنة من زواجي توفي والدي وكان أكبر زلزال في حياتي اتبهدلت فعلا بعده, توفي وعندي احساس انه مش راضي عني وقلقان علي! اشتغل زوجي عامل أمن وسائق تاكسي وكنت أنا تقريبا عائل البيت الأساسي, كنت الست والراجل في نفس الوقت اصبحت حياتي متعبة جدا, أصبحت الأب والأم وعائل الأسرة, بعد5 سنوات حصل زوجي علي الجنسية وبدأ التفكير في الرجوع الي مصر أو الانتقال إلي باريس, رفضت تماما ترك عملي حيث هو مصدر دخلنا الوحيد وانا ناجحة فيه. عايرني زوجي بأني كنت أرملة واني اللي جريت وراه وانا اللي دفعتله فلوس للزواج منه, وانه ندمان انه ارتبط بي وانه ترك مصر وترك عيادته وجري وراء سراب, تخيل سيدي زوجي عايرني ان عارضت كلام أهلي من أجله. فجأة قرر زوجي تركي أنا وابنتنا وسافر, تركني بعد كل ما فعلته من أجله لم أجد أي أحد يقف بجانبي, بعد3 سنوات اكتشفت انه انتقل إلي باريس وتعرف علي سيدة تكبره ب10 سنوات, اتصل بي لانهاء اجراءات الطلاق ليستطيع الزواج من تلك السيدة. وعشت حياتي مع والدتي لابنتي فقط, كنت لها الأب والأم, ولكن فشلت, مشكلتي يا سيدي هي ابنتي التي تبلغ الآن22 سنة وتريد الارتباط برجل جزائري مقيم في فرنسا يكبرها ب20 سنة, أراها تعيد نفس تجربتي وأري في عينيها نفس النظرة والاسلوب الذي كنت اعامل به والدي, اري في عينيها نظرة العتاب واللوم والتحدي, رغم اني كنت ضحية لكل ما حدث, والدها خايف يتدخل في حياتها, وانا أري ابنتي تضيع مني, فكرت في الانتحار أكثر من مرة ولكن منعني خوفي علي والدتي وابنتي. سيدي اناشدك بالله ان توصي الآباء بالقرب من بناتهم خصوصا في بلاد الغربة, وللبنات بعدم مخالفة اهلهم, وللشباب بتقوي الله في البنات, فالبنات المغتربات لسن وسيلة السفر والحصول علي الجنسية. خبرني بربك ماذا أفعل وكيف وهل من أحد يساعدني في أمري؟ سيدتي.. قرب الآباء من ابنائهم, بنات وأولاد واجب في الأوطان أو في الغربة, قرب قائم علي المحبة والاحتواء والتفاهم والاحترام فما يغرسه الآباء لا يتوقف في نفوس ابنائهم عند مرحلة سنية وانما يمتد معهم وينعكس علي حياتهم, ودائما أناشد الآباء ان يسمعوا لأبنائهم ويعلموهم فن الاعتماد علي انفسهم, ولا يبخلوا عليهم بالنصح والتوجيه دون الغاء اراداتهم, حتي يتحملوا مسئولية اختياراتهم. كل هذا الذي تسألينني عنه وأؤيده معك, لا أراه متحققا كاملا عن والدك, قلت انه كان قاسيا, لا يوجد حوار بينكما, والواضح من مسيرة حياتك انه لم يكن مستبدا برأيه, حتي انه قبل علي مضض بالرغم من رفضه زواجك مرتين, وليته لم يقبل من المرة الاولي, تلك التي اندفعت اليها رغم عدم ترحيبه, ايا كانت الاسباب التي دفعتك لذلك والتي اري انها بسبب مراهقتك وعدم نضجك ورغبتك في الاستقلال بحياتك. وعلي الرغم من فشلك في تجربتك الأولي, اندفعت بكل عوامل الفشل والعناء الي تجربتك الثانية, وكانت النتيجة الطلاق والوحدة وطفلة تدفع ثمن سوء الاختيار. سيدتي, اردت فقط أن اراجع معك مواقفك وتفسيراتك حتي اذهب معك الي ما وصلت اليه ابنتك.. فأنت ترين في عينيها نفس نظرتك مع والدك, نفس الاسلوب في الاختيار, ولم تذكري في رسالتك كيف كنت تعاملينها, هل تجنبت الاخطاء التي انتقدتها في والدك؟.. هل كنت تحاورينها, تحترمين تفكيرها, تشركينها معك في اتخاذ القرار؟.. ام انك فعلت كما يفعل الكثيرون, ننتقد آباءنا ونسير علي نفس دروبهم, تريدينها تفعل ما تريدين وترين وهي تراك فاشلة في قراراتك, لم تنجحي فيما اتخذته لحياتك فكيف تأنس لرأيك وتثق في نصائحك؟ سيدتي.. ليس الحل في الانتحار فهو لن يحل مشكلة, بل سيضعك امام الله سبحانه وتعالي فيما لا يرضيه ولا تبغيه. هو هروب الضعفاء والعاجزين وغير المؤمنين.. بدلا من ذلك احتويها, اشعريها بحبك وحنانك.. حمليها مسئولية اختيارها, وضعي تجربتك أمامها بدون أوامر أو توجيه وتوبيخ, وليكن القرار الأخير لها, فتتحمل هي نتائج اختياراتها ولا تنزعجي, فإذا لم نذهب لاقدارنا, ستأتي هي الينا, فلا أحد يهرب من قدره, والذين يهربون منه يفرون اليه, فلا تحزني ولا تطاردي ماضيك, بل لاحقي مستقبلك, فهو مازال بين يديك, حفظك الله وابنتك.. وهداكما الي مافيه الخير لكما.. والي لقاء قريب بإذن الله.