«دنيا ليها العجب.. خردواتى لا له فى التور ولا فى الطحين يموت عشان نبوية اتجوزت عليش».. الفقرة السابقة جزء من مشهد فى فيلم «اللص والكلاب» للراحل نجيب محفوظ.. مات أيضاً «سامى جوزيف» (سائق حافلة سياحية) مع ثلاثة من السياح الكوريين فى حادثة تفجير الأوتوبيس السياحى الذى كان قادماً من مدينة «سانت كاترين».. لا أنت ولا أنا يعرف «سامى جوزيف»، لم نسمع هذا الاسم أصلاً قبل هذا الحادث.. الإرهابى الذى قتله هو الآخر لا يعرفه، لكن قرر قتله لسبب لا علاقة ل«سامى» به على وجه الإطلاق. من يعرف «سامى جوزيف» حق المعرفة هم أولاده وزوجته وأمه وأقاربه وأحباؤه الذين يبكونه الآن. «سامى جوزيف» مواطن مثل ملايين المواطنين مجهولى الاسم والعنوان الذين يسقطون الآن بصورة تكاد تكون يومية. مثله مثل أى مصرى ينشد لقمة العيش والأمن. كلما أحس بأى قدر من الاستقرار فرح. إنه فقط يريد أن يعيش، يجد ما يأكله وما يكسوه وما يعالج به أبناءه، لا يهم أن تضيق به الأمور فى أيام، فقد تعود على الصبر. وهو يؤمن بعبارة «مصيرها تفرج»، وعبارة «الدنيا على ده وده». عبقريته ترتبط بصبره على مكاره الحياة.. وما أكثرها. على استعداد أن يصحو وغيره يغط فى نوم عميق، وأن يخرج بحثاً عن لقمة عيشه وغيره ينعم بدفء البيوت، أن يكد ويعرق وغيره يلهو ويترف ويلعب. فتصالحه مع الحياة يدفعه إلى التصالح مع ناسها حتى ولو ظلموه فى أحيان، فالعفو من شيمه. «سامى جوزيف» مثل «شعبان حسين» الذى مات برصاصة طائشة من سعيد مهران فى رواية «اللص والكلاب»، رغم أنه لم يكن فى خصومة معه، الصدفة البحتة هى التى ساقته فى طريقه فدفع خلو رجل ل«عليش سدرة» -غريم سعيد مهران- كى يموت بدلاً منه!. لكن اللص «سعيد مهران» كان أشرف مليون مرة من «كلاب» الإرهاب. فسعيد وجه رصاصته نحو خصمه. أما هؤلاء فيوجهون رصاصهم ومتفجراتهم نحو بشر ليسوا فى خصومة مباشرة معهم. كم من أوصاف الخسة تكفى فى نعت هؤلاء الذين يقتلون «بريئا»، انتقاماً من أشخاص لا تستطيع أيديهم الوصول إليهم؟! «سامى جوزيف» مثله مثل ملايين المصريين ليس له فى «تور» السياسة ولا فى «طحينها»، ليس طرفاً فى الصراع الحاصل الآن على كراسى السلطة، فهو بطبيعته ينأى عن أى صراع، ويدعو ربه كل يوم أن «تعدّى الأيام على خير». مشكلته الوحيدة أن المتصارعين على السلطة يريدون إقحامه باستمرار فى حلبات قتالهم. هو ليس مع أحد وليس ضد أحد. يريد الخير للجميع، لأنه يعلم أن الخير إذا عمّ سينوبه منه نصيب. مات «سامى جوزيف»، وسوف ننساه جميعاً بمرور الأيام.. لم يندم قاتله على سفك دمه، بل فرح.. اصطنع البعض الحزن عليه لاستثمار دمه من أجل تشويه وجه خصمهم السياسى ووعدوا ذويه ب«قرشين» ودمتم.. مات «سامى جوزيف» وسيموت غيره.. ولن يبكى على موتهم سوى أكفانهم.. وقد قيل «ميبكيش على الميت إلا كفنه»!