حظيت زيارة المشير عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع، لروسيا بردود فعل واسعة عالمياً وإقليمياً، خاصة أن أجندة الزيارة، التى شارك فيها نبيل فهمى، وزير الخارجية، تضمنت ملفات مهمة مثل قضية سد النهضة الإثيوبى، والعلاقات الاقتصادية بين البلدين، بخلاف التعاون العسكرى المشترك. وجاءت تداعيات تلك الزيارة لتلقى بظلالها على السياحة المصرية، حيث توقع المهندس عبدالعزيز فاضل، وزير الطيران، أن تشهد الفترة القادمة زيادة مطردة فى أعداد السياح من السوق الروسية، ربما تصل إلى 3 ملايين سائح نهاية العام الحالى، ما يعنى زيادة الحركة الجوية بالمطارات المصرية وارتفاع أعداد الرحلات المباشرة بين البلدين، فضلاً عن اتفاقات التسليح التى تم توقيعها والتى وصفها الوزير بأنها «مفيدة للغاية للجيش فى تنوع مصادر التسليح»، كما أن اهتمام الزيارة بملف حوض النيل يؤكد -وفقاً لخبراء- أن هناك نزاعاً إقليمياً سيقع فى المنطقة قريباً وعلى الدول الكبرى التدخل لحل الأزمة، كما أن روسيا تسعى إلى الوجود فى القرن الأفريقى والبحر الأحمر لمواجهة السيطرة الأمريكية على منطقة القرن الأفريقى من خلال دول كإثيوبيا واليمن والصومال. رصدت «الوطن» حالة من القلق والترقب فى التعامل الأمريكى مع التقارب المصرى الروسى، بعد زيارة المشير عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع، ونبيل فهمى وزير الخارجية، إلى العاصمة الروسية ولقائهما الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وأطلقت نائبة المتحدث الرسمى باسم الخارجية الأمريكية مارى هارف تصريحا دبلوماسيا قالت فيه إن دولا كثيرة لها مصالح فى تنمية علاقاتها الثنائية مع مصر وإن بلادها ما زالت على تواصل مع كل الأطراف فى القاهرة ولا يحق لأحد التدخل فى اختيار رئيس مصر، وإن القرار للشعب المصرى دون تدخل أى طرف خارجى سواء كان الولاياتالمتحدة أو «بوتين». وفى المقابل وصفت مراكز بحثية ما يجرى بأن مصر تعيد ترتيب منطقة الشرق الأوسط. وأعقب ذلك اهتمام من جانب وسائل الإعلام الأمريكية التى ركزت بشكل أساسى على تصريحات «بوتين» حول الانتخابات الرئاسية المقبلة فى مصر واعتبرته دعما روسيا للمشير السيسى. وأصدر المرصد السياسى لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى تحليلا حول الزيارة أعده الباحث عادل العدوى المتخصص فى الشئون المصرية أكد خلاله أهمية المباحثات المصرية الروسية قائلا إنه على الرغم من تأكيد القاهرة أن السياسة المصرية قائمة على التنوع وأنه لا أحد يحل محل الآخر فى العلاقات الخارجية، وهى رسالة معنية بها واشنطن بالأساس، فإن الأمر يحتاج إلى التوقف أمام الكثير من المعطيات، فلطالما كانت العلاقات العسكرية بين القاهرةوواشنطن ركيزة العلاقات بين الدولتين برمتها وأن ذلك كان واضحا فى نحو 20 اتصالا جمع بين وزير الدفاع الأمريكى هيجل ونظيره المصرى المشير السيسى، وبعض هذه المحادثات استمر لأكثر من ساعة. ويضيف: وفى الوقت الذى اشتد فيه القتال بين الجيش المصرى والجماعات الإرهابية فى سيناء، خاصة فى أكتوبر الماضى، علقت واشنطن مساعدتها العسكرية لمصر وجاء هذا القرار بينما كانت مصر تواجه تحديات أمنية خطيرة. وبعد ذلك بفترة وجيزة بدت فى الأفق ملامح التقارب المصرى الروسى عالى المستوى بزيارة قام بها رئيس المخابرات الروسية العسكرية إلى القاهرة فى أكتوبر وأعقبها فى نوفمبر اجتماع غير مسبوق بين وزراء دفاع وخارجية البلدين، وتمت هندسة صفقة أسلحة كبرى يحصل عليها الجيش المصرى من روسيا تقوم بتمويلها كل من المملكة العربية السعودية والإمارات. وأكد «العدوى» أن روسيا استغلت سياسة التردد التى اتبعها البيت الأبيض فى دعم مصر ومحاولة ربط المسار السياسى بإعادة دمج الإخوان. وتسببت السياسة الأمريكية المتعارضة مع القاهرة فى فتح المجال أمام القاهرة لكى تتلقى الكثير من عروض مبيعات الأسلحة وسارعت روسيا لاغتنام الفرصة لأسباب سياسية وجيواستراتجية. وقال تحليل معهد واشنطن إن التقارب المصرى الروسى لا ينبغى أن يفسر على أنه تخلٍّ من القاهرة عن واشنطن ولكنه تحرك له منطقيته بعد سياسة إدارة أوباما، وما زالت حتى الآن العلاقات المصرية الأمريكية ذات أهمية استراتيجية حيوية وما زال التعاون العسكرى بينهما قو يا. وأضاف أن رصد زيارة «السيسى» و«فهمى» إلى موسكو يقود إلى اختبار حقيقى لذكاء إدارة الرئيس أوباما ومدى قدرتها على الاحتفاظ بالشراكة العسكرية والأمنية القوية مع مصر التى تحقق مصالح الطرفين، فمصر مشكلتها لا تكمن فقط فى مصاعب على المنحى السياسى ولكنها تواجه تهديدات أمنية حقيقية من الصعب أن تقف الحكومة فى موقف المتفرج أمامها وكان من الطبيعى أن تخلق حلولا لمواجهتها. وطالب التقرير إدارة أوباما بتقديم مساعدات عسكرية كبيرة لمصر مع استمرار الاهتمام بملفات حقوق الإنسان والتحول الديمقراطى فى مصر، مشيراً إلى أن الجميع يلاحظ أن زيارة «السيسى» إلى موسكو طغت فى الإعلام الغربى على توقيف مسئول بالسفارة الأمريكية فى القاهرة تردد أنه كان يساعد فى ترتيب لقاءات بين الإخوان والمسئولين الأمريكيين وعندما تم اعتقاله كان يشارك فى مظاهرة للإخوان. واستخلص المرصد السياسى لمعهد واشنطن تقدير الموقف بأن على إدارة أوباما أن تخلق صيغة تحقق بين توازن العلاقات الأمنية مع القاهرة وفى الوقت نفسه تعبر بها واشنطن عن شواغلها بملفات حقوق الإنسان، وأشار إلى أن المهمة باتت تتسم بالصعوبة الآن ولكن ستصبح شاقة بعدما يصبح المشير السيسى رئيسا كما هو متوقع. والتقت «الوطن» المحلل السياسى البارز إدموند غريب الذى أوضح أن ما حدث فى موسكو يتسم بقدر كبير من العمق ويتجاوز الحدود المصرية إلى ترتيبات إقليمية تبرهن أن الأمن القومى المصرى -كما سبق أن أكد عسكريون مصريون- يصل مداه إلى حدود تركيا. وأضاف أن مشهد اجتماع السيسى وفهمى مع أركان الدولة الروسية بداية من الرئيس بوتين ووزراء الخارجية والدفاع تبعث برسالة قطعية بأن القاهرة اتخذت قرارها الحاسم بتنويع علاقاتها وشراكاتها وتحالفاتها ولن تعتمد على طرف واحد. وأشار إلى أن توقيت الزيارة جاء بينما كانت مصر تنتظر قرار السيسى حول مسألة الترشح، فكانت المفاجأة لجميع الدوائر السياسية فى الغرب أن السيسى فى موسكو وأن بوتين هو الذى يقول للسيسى «أعلم أنك سترشح نفسك وأتمنى لك التوفيق». وأضاف: واقع الأمر أن هناك الكثير يجمع بين بوتين والسيسى فى المنحى القيادى فكل منهما لديه طموح بإعطاء دور أكبر لدولته وهى نقطة التقاء مهمة. وأوضح أنه حتى مع التسليم بأن الكونجرس قرر إعادة المساعدات التى حجبتها الإدارة عن مصر فإن التعاطى مع المسألة تم وكأن ما يقدم إلى مصر هو هبة ومنحة بعيدا عن المضمون الحقيقى لهذه المساعدات ودورها فى تحقيق الاستقرار فى الشرق الأوسط. وشدد على أن أصداء التقارب المصرى الروسى ستلقى بظلالها بما لا شك فيه على المنطقة بأسرها وعلى الوضع السورى بشكل خاص فمصر رغم الصعاب التى تمر بها لا تزال دولة بالغة الأهمية وروسيا أدركت ذلك وهى تريد إعادة صياغة تحالفاتها، وكلا الطرفين تجمعهما نقطة واضحة وهى الرفض الواضح للتدخل الخارجى فى الأزمة السورية والتأكيد على ضمان وحدة الأراضى السورية، لذا فهذه الزيارة وهذا التحرك المصرى الروسى ليس مجرد صفقة سلاح أو تصور خاطئ من قبل البعض بأن مصر تستبدل دولة بأخرى بل هو خطوة قوية وجادة فى ترتيبات إقليمية للمنطقة بأسرها. أخبار متعلقة دبلوماسيون: أمريكا أدركت أن مصر أصبح لها بدائل فعلية السفير المصرى فى موسكو ل«االوطن»: لا علاقة للزيارة بترشح المشير اللجنة التجارية المصرية - الروسية تعود للاجتماع فى مارس خبراء مياه: تصريحات «لافروف» تكشف عن دعم موسكو للقاهرة فى «سد النهضة» «فاضل»: رفع أعداد السياح الروس بمصر إلى 3 ملايين نهاية العام