(1) لم يكتسب المشير السيسى شعبيته الجارفة من فراغ، ولم يكن تجاوب قطاعات عريضة من الشعب المصرى معه فى مرحلة تاريخية معينة مسألة عشوائية، ولم ترَ فيه هذه القطاعات أملها ومنقذها دون وعى أو إدراك منها.. الكل يعلم أن المشير السيسى استطاع فى وقت قياسى أن ينهض بالقوات المسلحة، تدريباً وتأهيلاً وكفاءة، وأن يعيد إليها هيبتها ومكانتها ومنزلتها.. الكل يعلم أيضاً أن الرجل استطاع بانحيازه واستجابته الشجاعة والوطنية لإرادة الملايين من شعب مصر التى خرجت فى ثورة 30 يونيو، أن يطيح بحكم الإخوان، بل بالمخطط الأمريكى الذى كان يسعى لمزيد من تفتيت المنطقة وإحكام السيطرة عليها، وضمان توسع الكيان الصهيونى على حساب القضية الفلسطينية، وإذكاء الصراع المذهبى بين السنة والشيعة.. الكل يعلم كذلك أن المشير السيسى يقود القوات المسلحة فى توجيه ضربات موجعة لجماعات التكفير والعنف والإرهاب، خاصة فى سيناء، حفاظاً على أمننا القومى. لقد طُرح اسم المشير السيسى بقوة لخوض انتخابات الرئاسة منذ فترة، على اعتبار أنه الأكثر ملاءمة لمنصب الرئيس فى هذه المرحلة المهمة من تاريخ مصر.. وكان موقف الشعب إزاء ذلك ما بين فريق يرى أن هذا وقته وأوانه، وأن مصر فى أمسِّ الحاجة إلى قيادة قوية ومؤثرة وفاعلة، وأن هذه القيادة تتمثل فى شخص المشير السيسى.. وفريق ثانٍ يخشى أن يكون ذلك مقدمة لحكم عسكرى، خاصة أن تجربة حكم المجلس العسكرى عقب تنحية «مبارك» كانت مأساوية.. وفريق ثالث يرى ضرورة تجنيب المشير السيسى هذا المنصب، فقد أدى الرجل دوره على أفضل ما يكون، ويكفى أن يستمر قائداً عاماً للقوات المسلحة.. وبغض النظر عن الأوزان النسبية للفرق الثلاثة، فإن قرار ترشح الرجل يعود إليه وحده، وإلى تقديره الشخصى، وإلى رغبته الأكيدة فى تحمل هذه المسئولية، خاصة أنه سيواجه تحديات صعبة، داخلياً وخارجياً، هذا فضلاً عن أن الرئيس فى دستور 2014 قد سُلب كثيراً من الصلاحيات. (2) أتوقع أن تفوق نسبة الإقبال فى انتخابات الرئاسة نسبة المشاركة فى الاستفتاء على دستور 2014.. لا شك أن المشير السيسى يراهن على من قالوا «نعم» فى الاستفتاء، بل أحسب أن من سيصوت له ربما تجاوز هؤلاء، وأعتقد أن الرجل سوف يحسم نتيجة الانتخابات لصالحه من الجولة الأولى بلا منازع، وإن كنا نأمل أن نشهد منافسة تليق بشعب مصر الذى أبهر العالم بثورتين غير مسبوقتين فى التاريخ الإنسانى.. من المؤكد أن فوز المشير السيسى بمنصب رئيس الجمهورية سيكون صادماً للإخوان المسلمين وأنصارهم، وللمشروع الأمريكى/الصهيونى، الأمر الذى قد يسبب بعض القلاقل لمصر ولو إلى حين.. أظن أن الرجل سوف يكون على مستوى التحدى، بالرغم من أن التركة التى خلفها «مبارك» كانت سيئة، وازدادت سوءاً خلال إدارة المجلس العسكرى، وتدهورت أثناء تولى الإخوان، ووصلت إلى منتهاها فى فترة حكم «الببلاوى».. وإذا كان الشعب يعلق آمالاً كبيرة على المشير السيسى، وهذا من حقه، فإن الرجل لا يملك عصا سحرية.. لذا، مطلوب منه وهو يتقدم للترشح أن يصارح الشعب بحقيقة الأوضاع فى البلاد، وما الذى يستطيع أن يقدمه على المدييْن القريب والبعيد دون تهويل أو تهوين، وما هى التكاليف والأعباء التى سوف يتحملها الشعب فى المقابل. (3) إن المشير السيسى قادم من المؤسسة العسكرية، وكان لفترة مديراً للمخابرات الحربية، الأمر الذى يعطيه انضباطاً والتزاماً ورؤية على المستوى الاستراتيجى نحن فى أمسّ الحاجة إليها.. كما أن هذا الوضع يجعله أكثر فهماً لطبيعة المؤسسة وبالتالى التعامل الأمثل معها لما فيه صالح مصر.. ليس هذا فقط، وإنما سوف يعينه ذلك على تحديد العلاقة بشكل واضح بين ما هو مدنى وما هو عسكرى.. على الشعب أن يعى أن المشير السيسى بشر يصيب ويخطئ، وبالتالى مطلوب منه أن يكون مراقباً جيداً، غير متساهل فى حقوقه التى كفلها له الدستور والقانون.. وبقدر ما يكون المشير السيسى قادراً على استنهاض مؤسسات الدولة المختلفة، قريباً من الشعب، غير مجامل على حساب المصلحة العامة - بقدر ما سوف ينجح فى تحقيق مهامه.. أحسب أن الرجل يعى أن الشعب اليوم غيره بالأمس، وأنه أصبح أكثر جرأة، وأقل صبراً وتحملاً، كما أنه يدرك جيداً أن بعضاً ممن يقفون خلفه اليوم قد يتحولون إلى خصوم غداً.. إن هناك أولويات يجب البدء بها، مثل تصفية بؤر الإرهاب، والقضاء على الفوضى، والتعافى الأمنى، وإقامة دولة سيادة القانون، وملف مياه النيل، والتواصل الجيد مع الدول العربية، وإيجاد مخرج للأزمة الاقتصادية الحادة، وتوثيق العلاقات مع روسيا والصين، واتخاذ خطوات جادة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والانتقالية.. وأخيراً وليس آخراً، تطوير الجهاز الإدارى للدولة، إذ إن بيروقراطيته العتيقة يمكن أن يُحتَضر أمامها ومن خلالها أى مشروع مهما كان عملاقاً.