تقف الأمية حائلاً دون تقدم الأمم، فهى داء الشعوب الذى يعيق تقدمها، وينزلق بها إلى منحدر التخلف، وعلى مدى سنوات طويلة، ظل مشروع محو الأمية أحد الأهداف القومية للأنظمة المصرية رغم اختلافها وتنوعها، فمنذ أول وزارة للمعارف برئاسة على مبارك عام 1868، كان محو أمية المصريين ضمن الأهداف الأساسية لهذه الوزارة، ومع تعاقب الأنظمة والحكومات، ظل عار الأمية أحد المعوقات الأساسية التى تحول دون التحول الديمقراطى والنمو الاقتصادى، وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن نسبة الأمية فى مصر بلغت 22% من جملة تعداد السكان بما يعنى أن الأمية قد أصابت ربع سكان مصر على الأقل، وتوجد مؤشرات أخرى غير رسمية تصل بهذه النسبة إلى نحو 40% من تعداد السكان، مما ينذر بمخاطر جسيمة على المستويين الاقتصادى والاجتماعى، وقد آن الأوان لتفعيل مواد الدستور العصرى الجديد فيما يتعلق بالتعليم، حيث تنص المادة (19) من الدستور على أن التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمى فى التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه فى مناهج التعليم ووسائله، وتوفيره وفقاً لمعايير الجودة العالمية، والتعليم إلزامى حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة فى مؤسسات الدولة التعليمية. كذلك نصت المادة (25) من الدستور على أن تلتزم الدولة بوضع خطة شاملة للقضاء على الأمية الهجائية والرقمية بين المواطنين فى جميع الأعمار، وتلتزم بوضع آليات تنفيذها بمشاركة مؤسسات المجتمع المدنى، وذلك وفق خطة زمنية محددة، وأرجو سرعة وضع هذه الخطة فى إطار زمنى لا يتجاوز خمس سنوات للتخلص التام من عار الأمية بإشراف الجهاز التنفيذى للهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار، وهو ما يضع تلك الهيئة أمام تحدٍ كبير يتطلب وجود إرادة سياسية قوية ودعم شعبى واضح بإسهام القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدنى، ويتطلب ذلك مضاعفة الإمكانات المادية والبشرية عدة مرات لتحقيق تلك الغاية. إن التخلص من عار الأمية سيظل مستحيلاً طالما بقيت الميزانية المخصصة لهيئة محو الأمية فى حدود 170 مليون جنيه سنوياً، ويتم تخصيص 70% من تلك الميزانية الهزيلة للأجور والنسبة الباقية للتدريب والتدريس، فحالياً يوجد 14 مليون أمى حسب المؤشرات الاحصائية، فضلاً عن نحو 300 ألف متسرب من التعليم الأساسى سنوياً، بالإضافة إلى الارتفاع الكبير فى معدل الزيادة السكانية حيث تستقبل مصر مولوداً جديداً كل 16 سنة، أى نحو ألف مولود كل خمس ساعات وهو يعد من أعلى المعدلات العالمية فى الزيادة السكانية، ويتطلب الوصول إلى مجتمع مصرى دون أمية بعض الشروط الضرورية والعاجلة مثل توفير الدعم الحكومى من جميع الوزارات ذات الصلة، ودعم مساند من منظمات المجتمع المدنى ورجال الأعمال والمستثمرين، وبناء قاعدة بيانات بأعداد الأميين وأماكن وجودهم، وتحديث المناهج التعليمية التى تتوافق مع الخصائص النفسية والاجتماعية للأميين فى المناطق الحضرية والريفية والبدوية، ولعل من بين الأسباب الرئيسية لحالة الانفلات التى يعانيها الشارع المصرى حالياً يرجع إلى تفشى ظاهرة الأمية، حيث تحرص الجماعة الإرهابية على الاستفادة من هذه الظاهرة واستغلال تلك الفئة من الأميين فى الأعمال التى تضر بالوطن وتشوه الثورة المصرية العظيمة، وإذا كان الشخص الأمى بلا أمل، وبلا عمل، فكيف نطالبه بالانتماء والولاء للوطن، حيث يسهل التأثير عليه وانقياده نحو ممارسة أعمال الإرهاب والبلطجة. أيها السادة، إن التعليم هو خط الدفاع الثانى عن الوطن بعد القوات المسلحة. نحن فى حاجة إلى وزارة طوارئ يكون التعليم أهم أولوياتها فى المرحلة المقبلة، فهل من مستجيب؟