أيها الثائر النبيل .. قم واعتدل ، ونفض هدومك ، وطس وشك بشوية ميه ، ثم اذهب واجلس فى المكان الذى تفضله من بيتك ، ثم تخلص من الإضاءة الزائدة التى قد تزعجك.. وبصوت عال وبفخر ، ومافيش مانع من شوية بلطجة ، قل لزوجتك .. هاتى قهوةسادة يا بت.. بقول قهوة مش وقته..!! خلاص جهزت القعده وطلبت القهوة .. خش بقه ع الخطوة التانية. استحضر روح ثورة يناير الله يمسيها بالخير، ثم ضعها أمامك على المنضدة قبل أن تأتى لك زوجتك بالقهوة، ثم رتب أحداثها وفاعلياتها، ثم فكر فيها مليا، وسأعود لك ثانية لأعرف ماذا اكتشفت. مساء الخير أيها الثائر ، هاه ... حاسس بإيه دلوقتى .. اكتشفت حاجه؟. - آه .. اكتشفت إن مراتى واقفة بالقهوه بقالها ساعة، وعماله تتفرج عليا وانا بكلم نفسى.. ما يجراش، ده شيئ طبيعى، كل الثوار المحترمين اللى علقوا آمالهم على شوية مطالب إنسانية بسيطة، بيكلموا نفسهم دلوقتى، إيه يعنى لما مراتك تقف شوية ، ما الدنيا كلها واقفة، وانت ياما وقفت فى ميدان التحرير وياما اضرب عليك نار وغاز وخرطوش، وياما أكلت بطاطا سخنه عشان تدفى نفسك فى عز برد يناير وحبة كمان من فبراير، وهيا بسلامتها نايمة تحت البطانية.. يعنى العدالة الاجتماعية اتحققت فى بيتك يا معلم، انت خدت البطاطا وهيا خدت البطانية.. عجبتك البطاطا ..؟ ، شوفت بقه لما استحضرت روح الثورة اكتشفت إزاى إنها حققت لك العدالة الاجتماعية. فكها بقه وقول لى .. اكتشفت إيه تانى. اكتشفت أننى فى البداية كنت ضمن مظاهره صغيرة، أطالب مثل غيرى بمطالب مشروعة، لو تحققت، لذهب كل منا إلى بيته ونام قرير العين، لكن غباء السلطة آنذاك حول هذه المظاهرة إلى ما يشبه كرة من الثلج، كانت تتنامى كلما اتجهت ناحية القصر. - ماشى يا عم الفيلسوف ، ما أنا عارف .. وبعدين؟ للأسف.. بعد أن انقضى العام الثالث من عمر هذه الثورة، تأكد كل الثوار النبلاء أنها لم تكن بثورة ، بل هى انتفاضة شبيهة بانتفاضة الحرامية ، وحاشا لله أن نكون كذلك ، ولكن ما حدث أننا وجدنا أنفسنا فى العراء ، ولم نجن ثمار جهدنا ، ولم نأتى بحقوق شهدائنا ، ولم نشارك فى صنع القرار ، فخسرنا الأمن الذى كنا نتمتع به قبل الثورة ، ولم نحصل على جائزة نضالنا بعد الثورة. - يعنى رقصتوا على السلم يا معلم. لا يا عزيزى ، بل رقصنا مع الذئاب التى سرقت منا كل شيء ، حلمنا وكفاحنا وأملنا ، حتى الغد الذى علقنا عليه الكثير من الآمال طمست ملامحه .. فلم نتمكن من تغيير أى شيء، ولم نفلح حتى فى القضاء على السبب الرئيسى لقيام هذه الثورة وهو الفساد والمفسدين. - معنى كده أنها نُص ثورة، أو يمكن تكون ثورة بس ناقصة سِوا ..؟ لا يا عزيزى، يمكن لك أن تسميها " ثورة مبتورة" .. لأن غياب الخبرة وغياب القائد ، والحضور القوى لحسن النية ، أفسح المجال أمام الذئاب التى كانت تراقصنا ، فاستثمروا رخاوتنا لصالحهم ، وأحرزوا هدفا فى مرمانا ، بل إن شئت قل.. نحن الذين أحرزنا هذا الهدف عن طريق الخطأ فى مرمانا.. فضاعت أحلامنا. - مش فاهم برضه .. هيا ليه ثورة مبتورة ؟ أولا: لأنها أطاحت برأس السلطة ولم تطح بقواعدها ، فتم توفيق الأوضاع ، فجاءت الأحكام القضائية كلها بالبراءة ، ثانيا: أن هذه الثورة قد استولى عليها غير أهلها ، ثالثا: احتلال القوى المتسلقة التى يطلقون عليهم النخبة مواقع الثوار، وفى النهاية جميع أهدافنا لم تتحقق. - أسباب منطقية فعلاً .. ولكن فى الزحمة كده سمعتك علقت على أحكام القضاء. لا يا سيدى .. فأنا أعلم والكل يعلم أن القضاء يحكم بالقرائن والمستندات، وكما تعرف أن مستندات الإدانة قد أحرقت والقرائن قد أتلفت، لذلك ليست هناك أية إدانات وبالتالى فالبراءة نتيجة طبيعية. - آه باحسب... اكتشفت إيه تانى؟ اكتشفت أن هذه الثورة المبتورة .. قد كشفت لنا عن أشياء ومخلوقات أيضا مبتورة. - إزاى يعنى ، خلّفِت ناس عندهم خلل عقلى وشلل أطفال؟ تقريباً .. فأنت اقتربت كثيراً من المعنى الذى أقصده.. لقد كشفت لنا هذه الثورة عن أشياء كلها ناقصة .. أنصاف رجال ، أنصاف مثقفين ، أنصاف حلول ... إلخ ، أما الأشياء الوحيدة المكتملة فهى.. الفوضى ، انهيار الاقتصاد ، غياب الأمن ، المتاجرة وحب الظهور ، وأشياء أخرى. - طب يا سيدى ما عملوا انتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة وكمان عملوا دستور و.... مهلاً يا عزيزى توقف عن سرد ما حدث فأنا أعرفه عن ظهر قلب .. ولكنى سآخد من كلامك شيئا واحدا.. هل رأيت الشخصيات التى ظهرت وترشحت لانتخابات الرئاسة؟.. هل رأيت من بينهم مرشحا واحدا يصلح لهذا المنصب الرفيع؟. - آه طبعاً ... مرسى ، الصندوق قال كده. يا عزيزى.. أنا أتحدث عن رجل دولة ، لا أتحدث عن صندوق، أتحدث عن الصلاحية لشغل المنصب ، وعن القدرة على اتخاد القرار ، وعن الصدق مع الناخبين .. يا عزيزى كل من ترشحوا لا يملكون ابتداء القدرة على حمل مسئولية وزارة واحدة ، فكيف كانوا سيحملون هموم أكثر من خمسة وثمانين مليون مواطن ، وفى نفس الوقت يحققون أهداف الثورة. - بس المهم الانتخابات كانت نزيهة والمنافسة كانت شرسة. الشراسة يا عزيزى كانت فى مباراة الإياب العبثية التى جمعت بين مكروهين ، الأول لانتمائه لجماعة تحوم حولها الشبهات (وقتها)، والثانى لكونه منتمياً للفلول ، حتى أن الناخب كان يصوت لطرف نكاية فى الآخر.. ولذلك اقتربت الكفتان من التساوى، ولكن فى النهاية حسم الموقف لصالح فريق الجماعة لأسباب الكل يعرفها ، وبعد عام واحد فقط فى الحكم ، كان للجمهور رأياً آخر ، لذلك تدخل حكم المباراة وأعلن أن النتيجة العادلة هى (30/6 ) مع الرأفة.. - حلو التشبيه الكروى ده.. انت مصمم تتفلسف ، المهم قول لى .. انت نزلت فى 30/6 ؟. طبعاً .. أنا مؤمن بقضيتى.. العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية. - طب خدت حاجه من الأربعة دول؟ أخذت درسا قاسيا، وتعلمت أن الرئيس القادم ليس مجرد شخص ذي كاريزما، لا يهمنى إن كان عسكريا أم مدنيا، فهذه موضة قديمة يجب أن نتخلص منها، المهم أن تتوافر فيه شروط رجل الدولة، أن يعلى قدر الوطن، يملك قراره، يحفظ هيبة وسيادة الدولة، يحترم القانون ويطبقه على الجميع، يصون كرامة الوطن والمواطنين، رجل مسؤوليته الأولى هى تحقيق أحلامى وطموحاتى، فإن أخفق .. فيجب أن يعلن اعتزاله طواعية، أما إن أبا .. سننظم له مباراة اعتزال بمعرفتنا. - طب قول لى .. إيه رأيك فى اللى عملوه الإخوان ولسة بيعملوه لحد دلوقتى. إن كانوا على حق ، فالحق أضاعوه، وإن كانوا على باطل فالسجن دخلوه. - أنا عايز إجابه واضحه ، بلاش فزلكه. قبل أن يصلوا الى الحكم تعاطفنا معهم، وبعد أن وصلوا إلى الحكم، قلنا نحترم إرادة الناخبين، وبعد عام من الحكم، اكتشفنا خيبتهم فخاب أملنا فيهم، وبعد ما أخرجوا من الحكم، اكتشفنا أننا كنا فى منتهى الهبل.. القهوة بردت يا وليه .. اعمليلى غيرها.