«تختلف ألوانى وأشكالى، لكنى أظل دوما فى حلم كل طفل، فى كل لقطة تسجل ذكريات الطفولة». أنا فى كل الحدائق.. ملكة متوجة على العرش، يتسابق نحوى الأطفال يقتربون منى بخوف وحذر، أشعر بلمسة أيديهم الصغيرة وهم يتمسكون بذراعى بقوة يرتفعون ويهبطون تتعالى ضحكاتهم وصيحاتهم، أشاركهم فرحهم وأضمهم لحضنى. تختلف ألوانى وأشكالى، لكنى أظل دوما فى حلم كل طفل، فى كل لقطة تسجل ذكريات الطفولة.. قطعة من الخشب الثقيل تلتصق بعمودين من الحديد تتأرجح إلى الأمام وإلى الوراء، إلى اليمين وإلى اليسار.. أنا المرجيحة.. أعشق الأطفال أحملهم بحنان، أخاف عليهم أشعر بنبضات قلوبهم وهم يرتفعون ويحلمون بأن يلمسوا السحاب. تكتمل سعادتى حين أرى صديقين يجلسان فوقى يتمسكان ببعضهما، تتشابك أيديهما وهما يرتفعان ويهبطان. وأحزن عندما أجد اثنين يجلسان، وكل منهما يحاول أن يدفع الآخر ليسقط من فوقى، حينها أتوقف فوراً فى غضب. جاء يوم العيد وازدحمت الحديقة بأطفال يرتدون أجمل الثياب، يمرحون ويتسابقون نحوى فى فرحة. ولأنى صديقة للأطفال كنت أعرف أسماءهم وكم من الصداقات كنت أنا أول من شهد عليها، سحر وسمر صديقتان أراهما دائما معا، تجلسان فوقى أطير بهما وتضحكان فى براءة وأشاركهما سعادتهما. لكن للأسف وجدتهما فى يوم العيد تتشاجران، أصرت سحر أن تركب أولا بمفردها لتحافظ على فستانها الجديد؛ لأن سمر كانت ترتدى فستان العيد الماضى وليس من حقها أن تحتفل بالعيد. صعدت سحر فوقى لكنى لم أتحرك، دفعتنى بقوة لكنى ظللت ثابتة. قالت فى غضب: ماذا حدث؟ المرجيحة لا تتحرك، إنها ثابتة كالشجرة، قلت لها: عدت لأصلى أنا فعلا كنت شجرة كبيرة وارفة الظلال أقف على ناصية الشارع، أشعر أنى أجمل وأقوى من كل الأشجار، يلعب الأطفال حولى ويحتمى الكبار بظلى.. بالقرب منى كان يقف مصباح قديم من الحديد، رأسه من الزجاج بداخله قنديل صغير يضىء فى الليل، كنت أنظر له فى تعالٍ، أضيق به وأسخر من مظهره، يأتى الشتاء وتسقط الأمطار فتغسل أغصانى وتزدهر ألوانى لأزداد جمالاً، بينما يصدأ المصباح ويزداد قبحاً، تمنيت أن يترك الشارع لى وحدى، وكنت أقول له فى تهكم: أنت من حديد، بارد، معتم لا تشعر، ضوؤك ضعيف وشكلك قديم والاقتراب منك خطر، أما أنا فالكل حولى. كان يتألم ويخفت ضوءه، تتساقط دموعه قائلاً: أنا أمنح الناس الدفء والنور والإحساس بالأمان. وفى إحدى الليالى، هبت عاصفة شديدة حطمت زجاج المصباح وانطفأ نوره.. شعرت بالخوف مثل كل سكان الشارع، بكى الأطفال خوفاً من الظلام.. وفجأة وجدتنى أسقط وتتحطم أغصانى، اصطدمت بى سيارة بسبب الظلام، تألمت وبكيت وعرفت قيمة المصباح الذى انطفأ وانطفأت معه حياتى. فى الصباح هوى العمال بالفأس على ساقى ووجدتنى فى سيارة كبيرة ومعى المصباح العجوز، لا أدرى إلى أين سأذهب، شعرت بالخوف لكن المصباح نظر إلىّ فى حنان وقال: لا تحزنى أنا لن أفارقك.. توقفت السيارة ووضعنى العمال فى ورشة ومعى المصباح، ورغم الظلام كنت أشعر بالأمان لوجوده بجانبى. وفى الصباح تم تقطيعى إلى أجزاء، وتم صهر عمود المصباح، وبعد أيام كان يوم ميلادنا معاً.. قطعة من الخشب تلتصق بقوة فى عمودين من الحديد هما عمود المصباح القديم.. وأصبحت المرجيحة التى تحبها سحر وسمر كما تحب كل منهما الأخرى وتخاف عليها، صعدت سمر وسحر فوقى وتشابكت أيديهما فى حنان. وتذكرت أيام طفولتى وصباى وشعرت بالندم على أيام مرت دون أن أقترب من جارى المصباح، أبعدنى غرورى عن أقرب صديق والآن لم أجد سواه لأتمسك به؛ فلولاه لكنت مجرد قطعة من الخشب لكنى الآن أشعر بوجودى، أرسم البسمة على وجوه الأطفال، وكلما مرت الأيام أتمسك أكثر بصديقى المصباح الذى أضاء أيامى ومنحنى الأمل فى الحياة.