فكرت كثيرًا قبل أن أكتب هذه السطور.. دائمًا تحاصرني التساؤلات، إن كان لما أكتبه فائدة، أو أنه سيغير من فكر أحدهم.. ولكنني اليوم لم أعد أهتم.. اليوم حضرت ندوة، لم تكن عن التحرش، ولكن الحضور أرادوا لها أن تنحصر في ذلك، اليوم لم أعد أهتم.. يتحدثون عن التحرش بإبتسامة المنتصر في لعبة إلكترونية، تقف فيها عروس مرسومة، كلما ارتفعت بمستوى أعلى خلعت لك العروس قطعة من ملابسها.. هكذا يرون الإناث في مجتمعنا. يخرج الشاب، مطرق الرأس في الطرقات ليتباها بذكورته أمام أصدقائه، يرى فتاة كبيرة أو صغيرة، سمينة أو نحيفة، أيًا ما كان ما ترتديه، يرمقها بنظراته الوقحة وإبتسامة لا أعلم لها مصدرًا، تفهم نواياهُ فتزوغ عيناها رعبًا، فيعلم أنها المطلوبة، هي وحظها وطموحاته.. قد يصرخ قرب أذنها كالنساء، حتى ترتطم دقات قلبها بأسفلت الشارع، أو ربما يمر بجانبها ليخطف من عذريتها ما استطاع، أو ربما يقذفها بأقذر كلمة همسها في أذنه صديقه أمس. وهنا يتعالى فخره وشموخه، كمن أحرز هدف الفوز في الدقيقة الأخيرة، وإن إلتفت وسبته يرتفع انتصاره ويغرق في الضحك.. طالما آثار ضحكة فضولي.. ترى إن قطعت لحم وجهه سينزف دمًا أم سائلًا آخر؟. لا عجب إن خرج أحد أولائك الذين لا زالوا يشربون الحليب قبل النوم، ليقلد ما يفعله الكبار، فهذه هي الطريقة التي سيفرح بها أبوه إلى أن يقفز فكه من فوق كرشه ويقول "الواد كبر يا سعاد".. سعاد كان اسم المذيعة الأنيقة موشومة الحاجبين، التي كانت تنصح الفتيات في الندوة بالملابس "اللي مش أوفر"، حتى يتجنبن التحرش!!. ناهيك عن "المحروس"، الذي تمطأ ونهض من مقعده وتحدى حواجز المدرجات، وصولًا إلى مكبر الصوت ليروي لنا عن قساوة قلوب الفتيات، التي يفتكن بحيائه في الشوارع بارتدائهن "الفيزون"، متسائلًا عن نخوة ذويهم ودينهم الذي سيحاسبون عليه، حزنت كثيرًا أنه قد أنهى خطابه الشيق، دون أن يقص علينا كيف أتاه التكليف من الله لكي يعاقب العاصيات المتبرجات بالتحرش بهن، كما أعجبني تواضعه، فلم يبرز لنا معاناته في التكفير عن سيئاتهن ودعوتهن لإتباع تعاليم الدين عبر التحرش. و"كأن المعصية في العاصي" حلال شرعًا، تسأله عما يفعله، فيرد عليك: بما تفعله أنت وينصب من حولك أسوار المحكمة ويرفع الجلسة و يقرر عليك العقاب.. اليوم لم أعد أهتم.. فلم يعد هناك فائدة ترجى من الحديث مع هولاء، تحدثهم عن الرجولة فيردون عليك بلون بنطال الضحية وكحل عينيها!!. لا عجب أن يفكر كذلك، فهناك من أعطاه الحق أن يجوب الأرض طولًا وعرضًا، لا يترك فتاة حتى يضيف إليها توقيعه، ثم يجلس ممشوق القامة في الصالون يشاهد أمه وهي ترتشف القهوة وتقول: "إحنا يهمنا الأخلاق.. آآآآه.. البنت سمعه"!!. في مجتمعنا نربي الذكور على أن الفرق بين النساء والأبقار، هو أن النساء لا يذبحن ولكننا نعدهم اننا سنجد حلًا لذلك. للمرة الأولى، لن أجيب مقدمًا على أي "محروس"، سيطرقع أصابع يديه ويتحفني بمزيد مما سمعت في الندوة، فلم أعد أهتم!!.