كشفت الانتخابات الجزائرية عن تراجع للإسلاميين لم يكن متوقعاً، فقد حصل تكتل الخضراء على 48 مقعداً، وهو تكتل إسلامى يضم ثلاثة أحزاب هى «حركة مجتمع السلم» و«حركة النهضة» و«حزب الإصلاح الوطنى». كان عبدالعزيز بلخادم وزير الدولة الجزائرى توقع فوز الإسلاميين ب35% من الأصوات لكنهم لم يحصلوا سوى على 14% منها. هناك أحزاب إسلامية أخرى بالإضافة لتكتل الجزائر الخضراء مثل حزب جبهة العدالة والتنمية، الذى حصل على 7 مقاعد، وحزب جبهة التغيير الذى حصل على 4 مقاعد. وهنا يثور التساؤل لماذا لم يصل الربيع العربى إلى الجزائر، ويفوز الإسلاميون هناك كما حدث فى المغرب وفى تونس وفى مصر وفى ليبيا، التى تستعد لانتخابات فى يونيو المقبل من المتوقع أن يكون الإسلاميون فى صدارتها. هل لى أن أجازف بالقول إن التأثير العاصف لحلم الثورات العربية، الذى مثل تسونامى عصف بالنظم المستبدة فى العالم العربى، قد بدأ فى الخفوت مع الانتخابات البرلمانية للمجلس الشعبى الوطنى الجزائرى، وذلك لأن التوقعات والآمال التى عقدتها الشعوب على الثورات العربية لحل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية قد تبددت مع تعثر خطوات بلدان الربيع العربى نحو تحقيقها بدون تحديات من قوى الثورة المضادة. من هنا فضل الناخب الجزائرى أن يصوت لاستمرار ما هو قائم؛ بحثاً عن الاستقرار حتى لا يدخل فى دوامات الثورات العربية التى ربما تقوده مرة أخرى إلى أتون حرب أهلية مروعة راح ضحيتها أكثر من مائة ألف إنسان منذ مطلع التسعينات، ولا تزال تطبع الذاكرة الوطنية والإنسانية للجزائريين عقب تعليق الدورة الثانية من الانتخابات البرلمانية التى فازت فى جولتها الأولى جبهة الإنقاذ الجزائرية الإسلامية التى لا تزال محظورة حتى اليوم. الإسلاميون فى الجزائر كانوا جزءاً من التحالف الرئاسى الذى دعم الرئيس «بوتفليقة»، كما أنهم كانوا جزءاً من النظام الحاكم فقد كان هناك أربعة وزراء فى الحكومة لحركة مجتمع السلم، التى تعبر عن الإخوان المسلمين، ومن هنا فإن المواطن الجزائرى انصرف عنهم، خاصة أنهم لم يثبتوا جدارة واستحقاقاً فى المواقع الوزارية التى عملوا فيها. لا يمكننا فى الواقع أن نهمل آثار تعثر الإسلاميين فى بلدان الربيع العربى خاصة فى الدولة الأكبر مصر فى أن يطرحوا أنفسهم كبديل مريح، ومن ثم فإن غالبية الجزائريين 57?64%، أغلبهم من الشباب، آثروا الامتناع عن التصويت بدلاً من الرهان على بديل الإسلاميين الذى لم يستطع أن يثبت فعاليته فى الجزائر أو مصر أو حتى تونس.