بقلب مطمئن وسكينة تملأ صدره، وقف «شيخ الثوار» وسط الميدان يطمئن الشباب أن النيران الموجّهة نحوهم ليست سوى طلقات صوت لن تضرهم، حتى خرجت رصاصة اخترقت ذراعه اليسرى، فصدره، ونفذت من جانبه الأيمن. صعدت روح «الشيخ الشهيد» إلى دار الخلود، مخلفة جدلاً حول سبب قتله الذى نتج عن خروج رصاصة من مسافة 10 سنتيمترات، بحسب ما ورد فى تقرير الطب الشرعى. يكمل الشيخ عماد عفت، مدير إدارة الحساب الشرعى بدار الإفتاء وعضو لجنة الفتوى بها، عامين كاملين على استشهاده وسط تعدّد أصابع الاتهام خلف قاتله؛ فتارة تشير أصابع الاتهام نحو «الفلول» لإفتائه ب«عدم جواز التصويت للفلول فى الانتخابات»، أو «الجماعة المحظورة» فى ظل سعيها لإشعال الصراع بين الثوار والمجلس العسكرى الحاكم للبلاد، بما يخدم مصلحتها، أو حتى «السلطة» الحاكمة آنذاك التى لم توفر جهداً لإسكات المعارضة. قبل مقتله بلحظات، قال «عفّت» إن «هواء ميدان التحرير هو أطيب لنفسى من هواء الكعبة»، فمات فى الميدان وسط حشود كانت سبباً فى فشل النيابة العامة فى التوصل إلى قاتله. تتلمذ عماد عفت على يد الكثيرين، ومنهم مفتى الجمهورية السابق الدكتور على جمعة، وكذلك الشيخ إيهاب فكرى، صاحب مجلس الإقراء بالمسجد النبوى فى السعودية، كما تتلمذ على يديه الكثيرون من طلبة وخريجى الجامع الأزهر. ربما كانت أحداث مجلس الوزراء ديسمبر 2011، التى توفى خلالها دليلاً على الصدع الذى وقع فى صف القوى السياسية والثورية، التى راجع بعضها نفسه، بينما واصلت بعض القوى سعيها لتحقيق مصالح حزبية دون النظر إلى صالح الثورة أو الصالح العام، فأولوا الصمت على مقتل «الإمام الشهيد»، فكانت بداية سقوط أسطورة الجماعة المحظورة. مقتل عماد عفت كان بمثابة الحجر الذى حرّك مياه الثورة الراكدة.. فوحّد «القوى الثورية» خلف قضية الوطن، وهزّ مقتله الصورة الذهنية الشائعة حول المحتجين فى محيط الميدان، وأنهم من «البلطجية». انطلق فى مسيرته التى كانت فى اليوم التالى لمقتله آلاف المتظاهرين، فكان مقتل شيخ أزهرى وطالب فى كلية الطب علاء عبدالهادى فى الميدان إشارة إلى هوية المعترضين الذين ينتمون إلى فئات مختلفة من الشعب. «الإمام التقى» حسبما وصفه أستاذه مفتى الديار المصرية السابق الدكتور على جمعة، عاد من «عرفات» بعد أدائه مناسك الحج إلى ميدان التحرير مؤمناً بتفضيل الرسول ل«الجهاد» عن «الحج» راسماً المشهد بتفاصيله، سواء بحقيقة الثورة أو بتخاذل «الإخوان» عن حمايتها وتفضيلها لمصلحتها عن المصلحة الوطنية، مروراً بدعوته المواطنين إلى ضرورة «الجهاد» لإنجاح الثورة. «الحق أحق أن يُتبع».. جملة لطالما قالها شيخ الثوار لتلاميذه والمقربين منه ليظل صوت الثورة حتى بعد مرور عامين على وفاته بالمطالبة بتوحد القوى الوطنية ونبذ العنف والمطالبة ببناء مستقبل أفضل وإيثار مصلحة الوطن عن المصلحة الشخصية.