بين الشوارع والأرصفة يقضون ليلهم، إما فى جماعات لحماية بعضهم البعض، وإما فرادى يبحثون عن أماكن للمبيت، وما هى إلا ساعات، ومع أول ضوء لشمس اليوم التالى يتوجه بعضهم إلى جمعيات رعاية أطفال الشوارع، أقصى حلمهم هناك الحصول على وجبة غذائية كاملة ومكان للنوم لمن لم يجد بين أرصفة الشوارع حاضناً له، بين هذا وذاك يعيش هؤلاء الأطفال الواقع السياسى بشكل مختلف، يعتقد البعض أنهم غير متابعين لما يحدث من ثورات أو احتجاجات، ولكن حقيقة الأمر أنهم فى كثير من الأوقات يكونون على علم بالحدث السياسى قبل حدوثه، عندما يكونون طرفاً فيه. قصص كثيرة عن واقعهم يروونها هم بألسنتهم، بعضهم لا يبالى بما يحدث بالمجتمع بل ويتمنون لو أن الضرر والظلم الواقع عليهم يتعرض له الجميع على سبيل الانتقام من مجتمع أهملهم، ولكن البعض الآخر لديه وعى بمن أرادوا أن يستغلوهم سياسياً فى اشتباكات أو أحداث عدة على مدار الثلاث سنوات الماضية. فى إحدى جمعيات رعاية أطفال الشوارع بمنطقة إمبابة، جاء طفل لم يتخطَّ عمره ال12 عاماً، اعتاد التوجه إلى هناك أسبوعياً حيث يتناول وجبة سريعة ويستحم حتى يكمل نشاطه طوال الأسبوع بين الحدائق العامة والشوارع، جاء لهم يوماً وذراعه تنزف دماً، لم يستقبله أى مستشفى لعدم وجود بطاقة شخصية معه، فجاء للجمعية لينقذه أحد، يحكى تفاصيل هذا اليوم الذى مر عليه فترة كبيرة فيقول «أ.ن»: «ما حدش رضى يستقبلنى إلا لما جه معايا مشرف من الجمعية، وأول سؤال طبعاً منين جات لى الإصابة دى، قلت لهم اللى حصل بالضبط، جالنا واحد دقنه طويلة أنا وصحابى فى جنينة الكيت كات، قال لنا: أنا عندى شغلانة لكم وكل واحد هياخد 50 جنيه، طبعاً كلنا اتحركنا معاه من غير ما نسأل هنعمل إيه، افتكرناها خناقة عادية أكيد هنشارك فيها، وصلنا لميدان التحرير ودخلنا واحنا بعيد عن بعض، قال لنا: فيه طوب متجمع فى شوال خدوه واضربوا العيال دول عشان يمشوا من الميدان، وقتها خوفنا خصوصاً لما لقينا ناس كتير بتقع ع الأرض كلها دم، ومن غير ما نحس قعدنا نضرب الداخلية مع العيال المتظاهرين، شافنا الشيخ حاول يجرى ورانا وإحنا هربنا منه، لحد ما إزازة مولوتوف اتكسرت وجه إزازها على إيدى قطعها». قبل أن يكمل «أ.ن» كلماته قاطعه زميله الأكبر منه سناً «م.أ»، مؤكداً أن تلك المرة لم تكن الأولى التى يطلب فيها أحد منهم التوجه للمظاهرات وضرب من فيها، وأكد أن السمسار «المقصود به الشخص الذى يقوم باستئجارهم» دائماً ما يختار الأولاد بصفات معينة، لا بد أن يغلب عليهم اللاوعى إما من أثر الحشيش أو «الكلّة»، لأن فى مرة سابقة وأثناء الاعتداء على وزارة الداخلية جاء إليهم رجل أربعينى يطلب منهم الذهاب مع شباب الألتراس لحرق وزارة الداخلية دون أن يخبروا أحداً بأنهم مستأجرون -بمن فى ذلك شباب الألتراس- فرفض أحد زملائهم وقال للسمسار: «انت كده عايز تودينا فى داهية، إحنا ماعندناش محامين يدافعوا عننا ولا ألتراس يرفعوا صورنا لو اتقبض علينا»، فطلب الرجل من الجميع الحضور ما عدا هذا الولد، وعلى حد قول «م.أ» وقتها قال الرجل: «بلاش صاحبكم ده شكله لسة ماعملش دماغ». اتفق الأطفال على وجهة نظر واحدة، وهى أنهم يتم استغلالهم فى الأحداث السياسية مقابل مبلغ قد يصل إلى 100 جنيه، كلمات أكدها مدير جمعية رعاية أطفال الشوارع -رفض ذكر اسمه- «أن فكرة استغلال الأطفال موجودة بالفعل، وتلقينا أكثر من مرة اتصالات هاتفية منهم للذهاب إلى القسم لضمانهم وإخراجهم من هناك بعد تأكيدنا أنهم ليس لهم أى انتماء سياسى، ولكن هذا لن يوقف فكرة وجود سماسرة تؤجرهم فى الاشتباكات». اختلفت وجهة النظر لدى «م.س» شاب فى ال18 من عمره، وأحد المترددين أيضاً على الجمعية، لم ينكر مشاركته فى أحداث السفارتين الأمريكية والإسرائيلية واشتباكات محمد محمود وأحداث عديدة من تعددها لم يعد يتذكر أسماءها، ولكنه على الجانب الآخر يرى أنه فى النهاية كان يقوم بدوره كمعادٍ للداخلية التى حبسته أكثر من مرة دون وجه حق، بالإضافة إلى حصوله على مقابل مادى، وقال: «ميهمنيش اللى جه يتقاول معايا إخوانى ولا حزب وطنى ولا مين، وإن كان أغلب اللى اتفقوا معايا كانوا بدقن، المهم عندى هستفيد إيه وبس، المجتمع اللى رمانى فى الشارع وداس عليا مش هيفرق معايا فى حاجة، لكن أنا فاكر كويس إن كتير اتهمونا إننا حرقنا المجمع العلمى مع إن ده الحدث اللى لم نشترك فيه». اخبار متعلقة أطفال الشوارع: حكايات الجوع والاستغلال السياسى والانتهاكات الجنسية «مصطفى» بعد 10 سنوات فى الشارع: «عايشين فى غابة.. والموس سلاحى» من الحدائق والميادين العامة إلى الأضرحة وأسفل الكبارى.. هنا يعيش أطفال الشوارع المستشفيات ترفض استقبالهم وتبلغ عنهم إذا طلبوا «الخدمة الصحية» رئيسة «القومى للطفولة والأمومة»: الظاهرة أصبحت «قنبلة موقوتة» «الوطن» ترصد انتشار الإيدز بين أطفال الشوارع