تعليمي معتمد.. تحرك برلماني لمواجهة رفض مصادقة «شهادات الانتساب» الجامعية بعدة دول عربية    «التموين»: استمرار ضخ كميات كبيرة من بيض المائدة ب150 جنيها للطبق    وزير الإسكان يزور مصنع «تربوسان» التركي لمناقشة نقل وتوطين صناعة الطلمبات    ميناء دمياط يستقبل 44 ألف طن بضائع متنوعة منها السكر والقمح    المنيا: رئيس مركز سمالوط يشهد لقاء المشاركة المجتمعية بالقرى لمناقشة مشروعات الخطة الاستثمارية    أستاذ استثمار: مكاسب كبيرة لمصر من انضمامها لتجمع «بريكس»    «إفريقية النواب»: مشاركة مصر في «بريكس» فرصة لتحقيق التنمية بالقارة    عرض خاتم حسن نصر الله في مزاد علني بإيران    بلينكن: سنعمل على مساعدة الفلسطينيين في إعادة بناء حياتهم    مفاجأة.. اجتماع لاعبي الأهلي دون كولر قبل مواجهة الزمالك    مصر تُنظم بطولة فروسية مُؤهلة لكأس العالم بمشاركة دولية واسعة (فيديو)    «التعليم» تحدد مواصفات امتحان الشهر لمادة الرياضيات للمرحلة الثانوية    محافظ المنيا: ضبط 162 مخالفة تموينية خلال حملات تفتيشية على المخابز والأسواق    إصابة سيدتين في مشاجرة بمدينة 6 أكتوبر    هاني عادل ضيف «واحد من الناس» مع عمرو الليثي على قناة الحياة الأحد المقبل    مع ظهور تجربتها الأولى كمخرجة في «وين صرنا؟».. مهرجان VS-FILM للأفلام القصيرة جدا يكرم درة    ذكرى ميلاد صلاح السعدني.. عمدة الدراما المصرية (فيديو)    «التدخل السريع» ينقل سيدة وأطفالها تفترش الشارع أسفل كوبري أكتوبر    «الأوقاف» تنشر نص خطبة الجمعة المقبلة.. ما مضمونها؟    من توجيهات لغة الكتابة.. الجملة الاعتراضية    يشكو خيانة زوجته مع صديقه: مرات صاحبي كلمتني وقالتلي تعالى خد مراتك    وزير الصحة يستقبل نظيره بالنيجر لبحث سبل تعزيز التعاون في مجالات الرعاية الصحية    غدا.. "تمريض بني سويف" تحتفل باليوم العالمي لشلل الأطفال    افتتاح فعاليات المؤتمر السنوي الثالث للدراسات العليا للعلوم الإنسانية بجامعة بنها    أمن القليوبية يكشف غموض اختفاء شاب بشبرا الخيمة    الداخلية تضبط قضية غسيل أموال ب50 مليون جنيه    شريف الشمرلي يعلن قائمته لخوض انتخابات اتحاد الكرة الطائرة    ضبط 5 لصوص سرقوا مواطنا وسيارة بالمطرية والشروق    وزيرة التضامن تدعو عددًا من المسنين لحضور حفل هاني شاكر بمهرجان الموسيقى العربية    مصرع طفل «أسفل عجلات القطار» بالقلج في الخانكة    تعرف على خطوات سداد رسوم الملصق الإلكتروني    الأمم المتحدة تحذر من تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان وتدعو لوقف القتال    إعلام بني سويف الأهلية تحصد المركز الثالث في مسابقة العهد    المالية: التحول الاقتصادي بإفريقيا يتطلب جهودا مضاعفة لدفع حركة النمو والتنمية    وزير الخارجية الأمريكى: نرفض تماما إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة    محافظ الغربية يكرم بسملة أبو النني الفائزة بذهبية بطولة العالم في الكاراتيه    بعد مقترح النائب محمد أبو العينين| خبير: خطوة نحو ربط التعليم بسوق العمل    ارتفاع حالات الإصابة بعدوى بكتيريا آكلة اللحوم في فلوريدا بعد موجة الأعاصير    رئيس فاكسيرا: توطين صناعة لقاح شلل الأطفال بالسوق المحلي بداية من 2025    كيف انشق القمر لسيدنا محمد؟.. معجزة يكشف جوانبها علي جمعة    «العمل» تُحذر المواطنين من التعامل مع الشركات والصفحات وأرقام الهواتف الوهمية    وزيرة التنمية المحلية: زراعة 80 مليون شجرة بالمحافظات حتى 2029    "عبد الغفار" يُدير جلسة حوارية حول تعزيز حقوق الصحة الإنجابية وديناميكيات السكان    في زيارة مفاجئة.. وزير التعليم يتفقد 3 مدارس بإدارة المطرية التعليمية    أسعار اللحوم اليوم الأربعاء 23-10-2024 في أسواق محافظة البحيرة    زعيم كوريا الشمالية يطالب بتعزيز الردع في مواجهة التهديدات النووية    عاوزين تخلوها صفر ليه، تعليق ناري من خالد النبوي على هدم قبة حليم باشا التاريخية    عمرك ما ترى حقد من «الحوت» أو خذلان من «الجوزاء».. تعرف على مستحيلات الأبراج    نشرة المرأة والمنوعات.. فواكه تخلصك من رائحة الفم الكريهة.. سعر فستان هنا الزاهد في إسبانيا    أحمد عادل: لا يجوز مقارنة كولر مع جوزيه.. وطرق اللعب كانت تمنح اللاعبين حرية كبيرة    وزير الخارجية الأردني: إسرائيل تدفع المنطقة نحو حرب إقليمية شاملة    هاريس: جاهزون لمواجهة أي محاولة من ترامب لتخريب الانتخابات    خبير يكشف موقف توربينات سد النهضة من التشغيل    إذا كان دخول الجنة برحمة الله فلماذا العمل والعبادة؟ أمين الفتوى يجيب    موعد مباراة أتلتيكو مدريد ضد ليل في دوري أبطال أوروبا والقنوات الناقلة    ملخص أهداف مباراة ريال مدريد ضد بروسيا دورتموند في دوري أبطال أوروبا    رئيس جامعة الأزهر يتابع أعمال التطوير المستمر في المدن الجامعية    أرسنال يعود لسكة الانتصارات بفوز صعب على شاختار دونيتسك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.




نشر في الوطن يوم 21 - 07 - 2018

لماذا، عادةً، يشكل الفقراء الأغلبية الغالبة فى المجتمعات الكبيرة، بالقياس إلى الأوساط.. يحوطهم الفقر فى طعامهم المعتاد وفى مساكنهم وفى آمالهم وأطماعهم.. وفى المعالم والشواهد العامة لحياتهم ومماتهم، ولماذا هم فى الوقت ذاته أكثر الناس عطاءً من قليلهم، وأقدرهم على إبداء الإخلاص والعرفان والترحيب بالمودة والصحبة ومراعاة حق الجوار والقرابة والصداقة فى حدودهم الضيقة، ولماذا أيضاً شدة تعرضهم فى الوقت ذاته لليأس والانحطاط والسقوط والارتماء فى أحضان الرذيلة والشرور؟! يورى هذا وذاك أنهم بالضرورة أقوى تمثيلاً للاستعدادات الموجودة فى كيان الآدمى تجاه الخير والشر.. هذه الاستعدادات التى تكشفها ظروف الفقر. ثم لماذا هم حفظة الماضى دائماً ومعه الأفكار والعادات والأساليب القديمة التى يصفها الأوساط والأغنياء بالتأخر والجهل؟
نفوس السراة والأثرياء
لماذا يزدرى الأوساط والأغنياء أن توجد بينهم وبين الفقراء صلة عميقة لا تراعى الفوارق، وبين هؤلاء الذين منهم من عاش حياته يخدمهم ويحبهم؟! ولماذا تحرص عقول ونفوس السراة والأثرياء على بقاء أولئك الفقراء فى مكانتهم التى يتصورونها لهم ويضعونهم فيها، ويتعجبون فى غير ترحيب من صعود من يصعد منهم إلى مرتبة وحياة الأوساط والأغنياء، ويتحاشون فى الغالب مصاهرته ويتذكرون ويذكرون بفقره الذى كان، ويتمنون أن يذكره هو ولا ينساه؟! ولماذا وجدت فى قواميس وعادات الناس كلمة أصيل وعبارة ابن أصل أو من بيت أو من عائلة أو من الذوات الأماثل أو من أهل الحسب والنسب أو من علية القوم أو من الأشراف أو من السادة أو من الشيوخ والرؤساء والكبار والأكابر أو من أهل الحل والعقد وأصحاب الكلمة المسموعة أو الجاه والنفوذ والمقام والشأن؟! ولماذا وجدت فى المقابل لذلك كلمات المساكين ورقيقى الحال وقليلى الشأن ومحدودى الدخل والأجراء والعمال والمرتزقة والأتباع والفلاحين والجوالة والباعة وأهل الحرف الصغيرة وسواد الناس وعامتهم وجمهورهم؟ ولماذا قابل هؤلاء وأولئك ما يناسب كل فريق، سواء فى المدينة أو البلدة، من الأحياء والمساكن والمرافق.. فتتميز هذه بازدحامها وقلة العناية بها وبمرافقها وصغر مساكنها وضيق شوارعها وكثرة حاراتها، وتتميز تلك الأخرى لأصحاب اليسار بانفراجها واستقامة دورها وعناية أهلها بها واكتمال مرافقها واستقامة ونظافة طرقها وأرباضها ورياضها!
فوارق ظاهرية!
ولماذا افترق كل من الفريقين غالباً.. فى الملبس والنطق واللغة وحركات الأيدى والوجه والمشى والهندام، فضلاً عن افتراقهما العميق فى الفهم والانفعال وردود الأفعال؟! ولماذا برغم كل هذه الفروق يشعر الفريقان بقرابة خاصة بهما وأحياناً بالوحدة تجمعهما تماماً.. وحدة المكان والحاضر والماضى والمستقبل والمصير؟!
يبدو أن الإجابة عن هذه الأسئلة تحتاج منا الرجوع إلى بدايات التجمع الآدمى، محاولين أن نراها كما يراها أو يتخيلها عقلنا الآن.. هذا العقل الذى يؤمن بتقدمه وتطوره وبعده البعيد عن تلك البدايات التى لم تكن تعى فى ذلك الأوان سوى قوة الجسد والحيلة والجرأة، ولم تكن تعرف المبادئ والقواعد التى تملأ الآن آفاقنا ونحتال عليها فى سلوكنا أو نناهضها أغلب الأحيان، ونذعن حينا لسلطانها الحقيقى أو المزعوم فى مسار حياتنا التى تحركها وتقودها فى الغالب الأغلب العادات والتقاليد، برغم قابليتها الدائمة التى لا تتوقف للتغيير والتبديل فى تفاصيلها وأشكال وأنماط ووظائف تلك التفاصيل خلال العصور والظروف التى لا ينقطع تواليها والاختلاف فيها.
ومن البديهى أن قوة الجسد والحيلة والجرأة، لا توجد بالتساوى بين الآدميين، لذلك فقد بدأ من قديم استخدام وصف القوة والضعف فى بداية كل تجمع، وبدأ مع هذين الوصفين وصف التابع والمتبوع يطلق بين الناس رعاية للمكانة أو التفوق أو الامتلاك، وتبعاً لذلك بدأت الفوارق الواسعة تتراءى فى عموم الرجال وعموم النساء وعموم الصغار من الجنسين.. وحين قلّ أو ندر بفعل القتال والأخطار والحروب وجود الرجال فى جماعة، اعتمدت الإناث على حيلتهن وجرأتهن فى تدبير أمرها، وصار الرجال المعدودون فيها أتباعاً للإناث لاختلال ميزان القوى، وما تزال توجد بقايا هذا الاختلال حتى الآن فى بعض الأسر، ولست أقصد بهذا ما تورى به بعض الدراسات النفسية من وجود إناث عالية السيادة والهيمنة فى تكوينها، مقابل إناث ضعيفة أو متوسطة السيادة، وإنما أقصد إلى ما تفرزه الظروف واختلال موازين القوى فى العلاقات بالأسرة، حيث لم تعد قوة المكانة أو الشخصية مقصورة على الذكور، وإنما أدى ويؤدى خلل توازن العلاقات والقدرات إلى تغير الصورة النمطية التى كانت فى المجتمعات البدائية، حين كان ينهض الذكر على الصيد والقنص وحماية الأسرة من الضوارى والأخطار، ويحتفظ من ثم بانعكاسات ذلك على مكانته وقوته غير المنازعة فى إطار الأسرة.
الحاجة للاتصال
ومن بداية شعور الآدمى بقدرته على التذكر، عرف حاجته إلى الاتصال بمن حوله من جنسه، وزاد ذلك فى قدرة ذاكرته، وعرف بقدر خبراته ما فى ذلك الاتصال من نفع وضرر، واهتدى تدريجياً إلى وسيلة لتيسير واستمرار الاتصال بإشارات وأصوات اعتادتها ذاكرة الفرد والمجموع، وأصبحت بمرور الزمن والاستعمال لغات لا غنى عنها لذلك الاتصال لحفظ الخبرات فى ذاكرة الآدميين، ونقل بعضها لاشعورياً من الأمهات للأطفال.. وهكذا تنبه الآدمى من قديم إلى إمكانات اللغة، فعبّر بها مع تفسيراته التى لا حصر لها عما يحدث داخله وخارجه مما يحسه أو يتصوره أو يجربه، كما عبّر بها عن خياله الذى يزيد دائماً على خبراته؛ هذا الخيال الذى يحمل آماله ومخاوفه التى يواجه بها ضغوط الحياة أو ما يحتاجه للاستمتاع بحياته.. فاللغة هى خزانة الحضارة، وهى السجن الذى يحبس داخله من يبقى على بدائيته.. واللغات فى الحضارات هى التى أعطت طعماً لمعنى الفروق الاجتماعية التى طرأت على الجماعات البدائية، واللغات هى التى حفظت ذاكرة الأجيال ومشاعرها التى تظهر فى تصرفاتهم وأفكارهم ومصدقاتهم. هذه المشاعر تحمل دائماً معها صيغاً وصوراً لغوية يرددها الآدمى فى كل وقت مع نفسه أو مع غيره، أو يدونها كما يقرؤها هو أو غيره، وقد يبقى بعضها معه وبعده ليرددها أو ليقرأها آدميون آخرون، فتأخذ أوضاعاً جديدة فى نفوسهم وعقولهم وذاكرتهم وأحاديثهم، وفيما يقبلون عليه أو يرفضونه مما يصادفهم فى حياتهم.
اللغة
فاللغة لا يمكن أن تنفصل فى أىّ لحظة عن حياة كل منا فى أى عمر.. وفى اليقظة والنوم، والصحة والمرض، وفى الماضى والمستقبل.. وهى ملازمة لكل ما نعيه أو نحسه حتى الجنس.. وفقد اللغة فقداً تاماً هو توقف فى الحياة نفسها.. توقف لا يمنعه تردد الأنفاس أو نبضات القلب!
وقد فطن الآدميون من أول الدهر إلى أهمية العام فى لغاتهم على الخاص، وأن هذا العام فى اللغة هو الذى يبقى ويدوم بعد فناء الخاص والفردى والشخصى، وهو الذى مكنهم ويمكنهم من اتساع الفهم والتذكر والمعرفة والعلم والذكاء والتصور، وهو الذى أفسح ويفسح لهم مجالات الافتراض والنظر والتخيل، وفتح ويفتح أمامهم أبواب الفنون والآداب.. لكنه أيضاً هو الذى ساقهم كثيراً إلى الركون للخيالات والظنون والأساطير والاستمساك بالعادات والأعراف والتقاليد.. وهذا نوع من القوى المضادة يبدو أنه يؤدى مهمة فى عمل مقاومة الاندفاع والتطرف والمبالغة لدى البشر!
المخيلة
ولأن مقدرة الآدمى على التخيل دائماً مسترسلة مطيعة.. لا تأبه بالواقع الماثل ولا تقف عند الحدود والغيوب.. هذه المقدرة تشعره منذ صغره بالعام والمطلق والدائم، وتجعل هذه المعانى بين يديه وفى متناوله فى روحاته وجيئاته ما دام حياً.. تصور له معذوراً بأن فى استطاعته من الإمكانات ما لا حد له متى تهيأت له الفرص أو هيأها.. فلم يخلُ قلب الآدمى قط فى الماضى والحاضر من الأطماع.. حميدة كانت فى نظر الغير أو غير حميدة.. وهذا باب آخر فى النظر إلى اختلاف وتشابه البشر أفراداً ومجاميع.. يجب حسبان حسابه لما ينطوى عليه من الغرائب والمفاجآت فى سلوكهم وتفكيرهم!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.