متى تكون حياة الإنسان بلا ثمن أو يصبح الموت مجانياً؟ يتحقق ذلك عندما يفقد إنسان حياته ويتحول دمه إلى مادة يتاجر بها غيره، ويستخدمه فى مصارعة خصومه من أجل حصد المغانم والمكاسب. الموت حدث طبيعى، بل قل إنه أكثر الأحداث طبيعية فى هذه الحياة؛ فكل يوم يموت بشر لأسباب مختلفة (تعددت الأسباب والموت واحد)، لكن الموت يصبح بلا ثمن عندما ترخص على البعض حياة الآخرين فيدفعون بهم إلى منصات الهلاك، ويضعونهم فى مرمى القتل دون رحمة. الأشهر الأربعة السابقة شهدت انتشاراً غير مسبوق لفكرة استرخاص حياة المصريين ودفعهم إلى الموت بلا ثمن. يحدث هذا على مستوى كل من السلطة المؤقتة وجماعة الإخوان. على مستوى السلطة المؤقتة تجد أنه لا يمر يوم إلا ويتم قنص جندى أو ضابط يقف فى كمين داخل إحدى المحافظات، خصوصاً سيناء، ورغم تكرار تلك العمليات التى يقوم بها الإرهابيون فإن السلطة الحالية لا تجتهد فى حماية فلذات أكباد المصريين من القتل، عبر تأمين تلك الكمائن بطريقة أو بأخرى تحول دون وصول يد القتل إليهم، دعنى أذكرك فى هذا السياق بكمين «الريسة» بسيناء، ذلك الكمين الذى تعرض لنيران الإرهاب عشرات المرات. السلطة الحالية لا تقوم بدورها فى تأمين جنودها، وهى فى مقابل ذلك تأخذ من استشهادهم على يد الإرهاب ذريعة لكشف قبح جماعة الإخوان، وهو قبح بادٍ لكل عين، ولا لزوم على الإطلاق للمتاجرة بدماء أبنائنا لتوضيحه للرأى العام المصرى أو العالمى. وفى مقابل ذلك، تجد أن جماعة الإخوان تدفع بأبنائها إلى النزول إلى الشوارع ومواجهة الآلة الأمنية التى لا ترحم صغيراً ولا كبيراً ولا شاباً ولا طفلاً. تفعل الجماعة ذلك وهى تذكر لنا ليل نهار أن الشرطة فى مصر قمعية ولا تتوانى عن سفك الدماء فى سبيل الدفاع عن السلطة الحاكمة. إذا كانت الجماعة تعلم ذلك فما الداعى إلى الزج بالأطفال والنساء والشيوخ فى مواجهة كهذه مع جهاز يتصف بهذه المواصفات؟! الإجابة عن السؤال معروفة، وهى أن قيادات الجماعة تريد أن تتاجر بدماء الأطفال والنساء والشيوخ الذين تقتلهم الآلة الأمنية، حتى لو كانوا لا ينتمون إلى صفوف الجماعة -كما حدث مع طفل العمرانية- بل ويحرص أتباعها أشد الحرص على تصوير المشاهد الدموية التى تقع فى المظاهرات ويهرولون بها إلى القنوات التليفزيونية المناصرة لهم كى تعرضها ليل نهار، بهدف زيادة درجة التعاطف الداخلى والخارجى مع الجماعة، الأمر الذى يساعدها على الصمود فى «عركة» الصراع على السلطة فى مصر. الطرفان يتاجران بدم البشر الذين رخصت حياتهم فى عين من يسوقهم إلى الذبح. أما الأسرة التى مات لها زوج أو زوجة أو ابن أو ابنة، فالمولى يعزيها؛ لأن أحداً لن يسأل فيها، ولن يعوضها عمّن قضى فى سبيل الدين أو فى سبيل الوطن، فى زمن يتنافس فيه المتاجرون بالدين مع المتاجرين بالوطن على استثمار الدم الحرام!