تجاهل الكثير منا تكرار أعمال العنف بسيناء خلال فترة العام ونصف العام الماضية، وقلل بعضنا من خطورة الاعتداءات المستمرة على المستشفيات وأقسام الشرطة وأنابيب الغاز وما حملته من تحدٍّ سافر لسلطة وهيبة الدولة المصرية. ولم يتغير منذ ثورة يناير وإلى يومنا هذا تكاسل الأجهزة الحكومية والأمنية عن توفير الضمانات اللازمة لحماية حقوق المواطن السيناوى بمعناها الشامل وتنفيذ مشاريع تنموية تستهدف تحسين الأوضاع المعيشية المتدهورة وتواجه الفراغ السكانى الخطير فى سيناء وتحولها من ثم إلى بيئة رافضة للعنف والإرهاب وطاردة لهما. ومع أن استمرار التوترات فى قطاع غزة على خلفية غياب المصالحة الفسطينية ومجمل الأوضاع الملتهبة على حدود مصر الشرقية (فلسطين وسوريا ولبنان) أثبتت بجلاء حتمية اليقظة الأمنية والمخابراتية التامة بسيناء، يبدو للمراقب أن بعض الإجراءات المفصلية لم تتخذ كإغلاق الأنفاق بين غزةوسيناء خاصة بعد فتح المعابر والمحاصرة الكاملة للعناصر الإرهابية الموجودة بسيناء والقضاء عليها. وعلى الرغم من أن تكرر أعمال العنف والأحداث الإرهابية على امتداد سيناء خلال الفترة الماضية دلل على ضرورة رفع معدلات الوجود العسكرى المصرى لمنع تحول شبه الجزيرة إلى منطقة فراغ أمنى وملاذ للإرهابيين وهو ما كان يستدعى الشروع الفورى فى مفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية بهدف تعديل الملحق الأمنى لمعاهدة السلام، لم يقم لا المجلس العسكرى حين كانت له صلاحيات رئيس الجمهورية، ولا الأجهزة الحكومية (وزراة الخارجية) ولا السيادية المعنية (المخابرات العامة) بجهد أسفر عن نتائج إيجابية. أنتقى كلماتى بدقة شديدة، فلا أريد وبدون معلومات موثقة أن أصادر على احتمالية أن بعض الجهود قد بذلت وبعض المفاوضات السرية قد دارت. إلا أن النتائج الإيجابية، أى رفع معدلات الوجود العسكرى بسيناء كما ونوعا، ظلت غائبة. والآن؟ الآن وضعتنا أحداث رفح الإرهابية وشهداء الوطن والواجب الذين سقطوا بها أمام التداعيات الكارثية لكل هذا. الآن ظهر للرأى العام وبجلاء حقيقة الأخطار المحدقة بسيناء، والمتمثلة فى خروجها عن سيطرة الدولة المصرية ويأس مواطنيها من احترام حقوقهم وتحولها لمنطقة فراغ أمنى وسكانى وساحة جديدة للعنف والإرهاب فى الشرق الأوسط وتعرضها لمحاولات استيطان منظمة من قبل عناصر وجماعات إرهابية ذات مصالح ووجهات مختلفة. الآن استبان لنا جميعا خطورة استمرار الأنفاق بين غزةوسيناء وسقوط المبررات الإنسانية والسياسية لها طالما فتحت المعابر. الآن نحن جميعا مطالبون بالعمل معا لإنقاذ سيناء والابتعاد عن الممارسة الرديئة بكيل الاتهامات وتصفية الحسابات الداخلية، فهذه لحظة الوطن وليست لحظة صراعات الأحزاب والقوى السياسية. الآن مؤسسة الرئاسة والحكومة والقوات المسلحة والمخابرات العامة والأجهزة الأمنية مطالبة بوضع خطة محكمة لإعادة الدولة لسيناء وضمان حقوق المواطن السيناوى ومنع تكرار العنف والإرهاب وتعقب المتورطين بهما، خطة للتنفيذ الفورى وللمدى القصير لا تقتصر على التعامل الأمنى فقط. وأتصور أن خطة كهذه سيكون عنصرها الأول هو التعامل مع أزمات المواطن السيناوى وشعوره بالتهميش وبالانتقاص من حقوقه وبسوء مستوى الخدمات المقدمة له عبر إجراءات حكومية فورية وبرعاية الرئيس وكافة القوى السياسية. وعنصرها الثانى هو إغلاق (أو تدمير) الأنفاق واستمرار فتح المعابر كى لا نأتى على حقوق إخواننا فى غزة مع يقظة أمنية ومخابراتية تامة. وعنصرها الثالث هو تكثيف الوجود المخابراتى لمعرفة هوية العناصر والجماعات الإرهابية المتورطة ومحاصرتها ثم إخبار الرأى العام بالحقيقة دون إضرار بالأمن القومى. وينبغى على السياسيين ووسائل الإعلام وحتى يتم إجلاء الحقيقة الامتناع عن إطلاق الاتهامات جزافا أو الإلقاء بها فى اتجاهات بعينها عبر مسميات غير محددة كالجماعات الجهادية. وعنصر الخطة الرابع هو التفاوض الفورى مع إسرائيل لرفع معدلات الوجود العسكرى المصرى، ولنا هنا أن نحشد للضغط على تل أبيب تأييد الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية المتخوفة من مجمل أوضاع الشرق الأوسط. والعنصر الخامس هو السعى لإتمام ملف المصالحة الفلسطينية وإيصال رسالة واضحة لكافة الفصائل والجماعات والأطراف الفلسطينية وبغض النظر عن توجهاتها بأن مصر لن تسمح بتحول سيناء لمسرح لاعتداءات أو أعمال عنف ذات أبعاد إقليمية أو لتصفية حسابات مع إسرائيل أو مع غيرها، وأن سيادة الدولة المصرية على سيناء مقدسة، وأن أمننا القومى سيأتى دوما فى المقدمة، وأن مصر بمواطناتها ومواطنيها ودولتها والجيش والأمن والمخابرات وبالرئيس والحكومة والمعارضة والإخوان والليبراليين تقف فى خانة واحدة هنا. أما على المدى المتوسط والطويل، فواجبنا هو تنفيذ مشاريع تنموية تواجه الفراغ السكانى والأوضاع المعيشية السيئة وتكثيف التواصل المجتمعى والشراكة مع سيناء وأهلها، وللفن والفكر والسياسة والرياضة دور مهم هنا. من غير المسموح أن يستمر تجاهل سيناء، فالثمن اليوم فادح وإن لم ننتبه سنكون مع منطقة فراغ أمنى ومصنع لأعمال عنف مستمرة لا تختلف كثيرا عن المنطقة القبلية الحدودية بين باكستان وأفغانستان ولا عن مناطق القاعدة فى جنوب اليمن أو فى جنوبالجزائر وجميعها تحولت لبيئات حاضنة للإرهاب. انتبهوا!