فى معرض تحليلى لأداء السلطة المؤقتة التى تبوأت مقعد الحكم فى مصر بعد (3 يوليو) أجدنى فى أحيان مدفوعاً إلى استدعاء العديد من الأفكار التى تناولتها أيام حكم جماعة الإخوان والتى استندت إليها فى تفسير الكيفية التى سارت بها فى طريق السقوط منذ اليوم الأول لدخول «محمد مرسى» إلى قصر الرئاسة. كلمة «الحمق» كانت «كلمة السر» أو الفكرة الأم التى كنت أستند إليها فى تبرير رؤيتى التى توقعت من خلالها رحيل نظام «مرسى» وجماعته على يد الشعب. لقد كتبت ذات يوم أن سقوط أى نظام يرتبط بوجود شخص أحمق يلعب الدور الأكبر فى تهيئة المناخ العام للتحرك الشعبى من أجل دهس هذا النظام، كذلك حدث قبل ثورة 1805 التى أدت إلى تولى «محمد على» الحكم بسبب حمق الوالى -السابق له- «خسرو باشا» الذى أرهق المصريين بالضرائب (الفِردة) ورفع الأسعار، وهو ما تكرر أيضاً قبل ثورة 1919 التى اندلعت بسبب حمق واطسون قائد القوات الإنجليزية، حين قرر نفى سعد باشا زغلول إلى مالطة، وعندما وقعت ثورة يناير 2011 كان «حمق» جمال مبارك أحد الأسباب الرئيسية الكامنة خلفها، ثم كان ما كان من نزول الناس فى 30 يونيو للإطاحة بالإخوان بسبب حمق قيادات الجماعة -وعلى رأسهم «مرسى» و«الشاطر»- فى لحظة ظنوا فيها أن بر المحروسة دان لها، فكان أن استيقظوا على غضبة الشعب. الآن وفى هذه الظروف العصيبة التى تعيشها البلاد أجد أن هناك من يعمل فى الكواليس بمنطق «الحمق» و«التحامق» ويوجه السلطة الحالية إلى الأداء بطريقة «ساذجة» تجعلنا نخشى من أن توردها موارد الهلاك. هل هناك كلمة أخرى غير «الحمق» يمكن أن تنهض فى تفسير الأسلوب الذى تتمسك فيه السلطة المؤقتة بتمرير قانون التظاهر -كما تريده وزارة الداخلية- ليصبح أداة لمنع التظاهر وليس لتنظيمه، رغم أنها تعلم أن القوى الثورية التى رفضت تمرير قانون شبيه للتظاهر أيام حكم المعزول من البديهى أن ترفض تمرير ما يشبهه أو يزيد عليه على يد السلطة المؤقتة؟ ماذا غير الحمق يمكن أن يفسر لنا قرار محافظ القاهرة بإغلاق ميدان التحرير ببوابات حديدية لمنع التظاهر، رغم أنهم يحكمون بالطوارئ وفى أيديهم تفويض شعبى لمنع الإرهاب والفوضى وليس لمنع المظاهرات؟ ماذا غير الحمق يمكن أن يفسر لنا دعوة البعض لعودة الحرس الجامعى فى وقت لا يكاد يتحدث فيه أحد عن تطوير التعليم أو البحث العلمى فى الجامعات؟ إن هذه الإجراءات وغيرها لا تخرج عن سياق الحمق وتعبر عن عقل عاجز عن التعامل مع التحديات التى يواجهها بأى قدر من الذكاء، حيث يمنح خصمه المزيد من الأوراق التى يمكن أن يلاعبه بها محلياً ودولياً. إن هذا «الأشكيف» الخفى الذى يحرك عناصر السلطة الحالية بهذا الحمق سوف يتسبب لها فى العديد من المشاكل، ولو أن أى طرف من أطراف هذه السلطة راجع الخط الذى شكل مساراً لسقوط «مرسى» وجماعته، لأدرك أنه يسير هو الآخر على ذات الخط، كما التلميذ النجيب!!