يرى البعض أن المؤامرة هى التى تقود المجتمعات والدول فى كثير من الحالات إلى الكارثة، إلا أنه فى حالات أكثر يكون الحمق هو القاطرة الحقيقية للوصول إليها. وفى مصر وخلال الأيام الأخيرة السابقة على افتتاح عمل مجلس الشعب بعد يومين وذكرى الثورة بعدها بيومين آخرين، يبدو واضحاً أن الحمق والمؤامرة قد اجتمعا ليسعى أصحابهما لإدخال البلاد فى حالة شديدة الخطورة من الفوضى والصدام. فأما المؤامرة، فهى وبحكم تعريفها وطبيعتها، فلا شىء محدد يمكن معرفته بدقة عن تفاصيلها أو أطرافها، إلا أن مراقبة المشهد المصرى كله بأحزابه وقواه الثورية ومجلسه العسكرى تكاد تؤكد أن هناك بالفعل استعدادات ومناورات من جانب عديد من هذه الأطراف لتحويل ذكرى ثورة يناير إلى حالة صدام وفوضى لا تطيح فقط ب«حكم العسكر» كما يدعو الشعار الآخذ فى الانتشار، بل ومعه ما بقى فى البلاد من استقرار مهتز وأمن ضعيف. ويوضح تغير المواقف وتعدد التحالفات المفاجئ وغير المنطقى من بعض القوى السياسية والحزبية الرئيسية أن هناك بالفعل أشياءً يجرى تدبيرها بليل وأن مصالح صغيرة تقود بعضها لإدخال البلاد فى دوامة من الفوضى والعنف والصدام فى ذكرى الثورة. كما يوضح سلوك كثير من الحركات المنتسبة للثورة وبعض رموزها أن هناك حالة من الاستعداد الحقيقى والتحالفات المبيتة من أجل تحويل يوم ذكرى الثورة إلى ثورة ثانية - بحسب تعبيرهم - تحقق أهداف الثورة الأولى وفى مقدمتها إنهاء «حكم العسكر» فورا ونقل السلطة إلى المدنيين. ويؤكد ما ينشر على صفحات الفيس بوك والتويتر والإنترنت عموماً وبعض ما يعلن فى برامج الفضائيات أن هناك بالفعل ارتباطات لا تبدو طبيعية أو منطقية بين أطراف منتسبة للثورة وأخرى تعارف هؤلاء على وصفها بالقديمة والتقليدية والمرتبطة بمصالحها مع الحكم المصرى، سواء فى عهد مبارك أو عهد المجلس العسكرى. إن جزءاً من هذه الحالة يمكن وضعه بسهولة ضمن نظرية المؤامرة، حتى لو كان أصحابها يرون أنها ذات أهداف نبيلة، تسعى لاستكمال الثورة وتحقيق أهدافها المجهضة. وأما الحمق المتشابك مع المؤامرة خلال الأيام والأسابيع الأخيرة، فإن مؤشراته وعلاماته أكثر من أن تحصى. وأول الحمق أن يتخيل البعض أن المصريين لم يكونوا هم صناع ثورة يناير وأنهم هم الذين أسقطوا نظام مبارك، وأنهم هم أنفسهم الذين خرجوا بما يزيد على ثلاثين مليون مواطن لكى يشاركوا فى انتخابات مجلس الشعب باعتبارها النقلة الأولى الرئيسية من الثورة إلى الدولة. ويدفع هذا الخيال الأحمق بعضاً من أصحابه إلى تصور أن هؤلاء المصريين سوف يظلون متفرجين على صدام الثوار مع العسكر دون أى محاولة منهم للدفاع عما أنجزوه خلال العام المنصرم من الثورة. ويزداد الحمق وضوحاً بتصور أن حال البلاد وما وصلت إليه من تطور مهم بعد انتخابات مجلس الشعب وقرب انتخابات الشورى، يمكن أن ينصلح بمجرد الاستجابة لشعارهم الرئيسى وهو تسليم السلطة للمدنيون فى ذكرى الثورة، دون أن يكون لديهم تصور لمن هم هؤلاء المدنيون وأى شرعية سيستندون إليها أمام شرعية الصندوق الانتخابى التى أفرزتها انتخابات مجلس الشعب، وأى موقف سيتخذه عموم المصريين منهم وهم لم يشاركوا فى اختيارهم. إن الحمق والمؤامرة فى الظروف الحالية لمصر الثورة يتفاعلان ويزداد تداخلهما لكى يدفعا أصحابهما إلى إدخال مصر فى ذكرى ثورتها العظيمة إلى نفق طويل مظلم لا يستطيع أحد بدقة تحديد المخاطر الهائلة التى سوف تلحق بها بداخله، إلا أن أقلها هو اشتباك المصريين وصدامهم فى ذكرى الثورة، التى كان جوهرها وسبب نجاحها الوحيد هو توحدهم حول مطالبهم. نقلاً عن المصرى اليوم