أدى الكشف عن عمليات تنصت أمريكية واسعة على الاتصالات في العديد من الدول الحليفة للولايات المتحدة، إلى تهديد الإنجازات في مجال العلاقات الخارجية التي كان حتى الساعة يفتخر بها الرئيس باراك أوباما، الذي كان يعتبر أنه أعاد الثقة إلى العلاقات مع حلفاء واشنطن بعد سنوات التوتر في عهد الرئيس السابق جورج بوش. ولخص وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مظاهر قلق الدول الحليفة عندما قال قبل أيام "لقد دخل في أذهان القادة الأجانب أنه في الوقت الذي نتفاوض فيه مع إيران ونتفاوض حول عملية السلام في الشرق الأوسط، هل نستطيع أن نثق بالأمريكيين؟". وكان الإعلان عن عمليات تنصت قامت بها وكالة الأمن القومي الأمريكية على الاتصالات في الكثير من الدول شملت ملايين الأرقام في فرنسا، وشملت حتى هاتف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أثار غضب القادة الأوروبيين. ويعتبر المسؤول السابق عن أوروبا وأوراسيا في وزارة الخارجية خلال حكم جورج بوش هيثر كونلي، أن أجوبة البيت الأبيض لم تتمكن حتى الآن من تهدئة غضب الحلفاء الأوروبيين. وقال "إن مقاربة البيت الأبيض للمشكلة دفعت القادة الأوروبيين إلى رفع الصوت أكثر، لأن الأمريكيين لم يفهموا إلى أي حد يعتبر هذا الموضوع مهما بالنسبة إلى الرأي العام الشعبي في أوروبا". ويتردد أن بعض المسؤولين الأمريكيين يسخرون من الطابع المسرحي لردود الفعل الأوروبية على مسألة التنصت، مذكرين بأن الكثير من الحكومات الأوروبية، التي تعبر عن استهجانها اليوم، تشارك هي أيضا في عمليات تجسس، مع العلم أن التنصت الأمريكي أتاح كشف العديد من الاعتداءات في أوروبا قبل ارتكابها. إلا أن خبراء أمريكيين يعتبرون أن هذا الجدل يمكن أن تكون له تداعيات على المفاوضات حول اتفاق التبادل الحر بين الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة، على سبيل المثال. وطالب القادة الأوروبيون، أمس، واشنطن بالالتزام ب"مدونة سلوك" في مجال التجسس. وحتى الآن اكتفت الإدارة الأمريكية بتكليف مسؤولين من الدرجة الثانية الرد على المخاوف الأوروبية. وقال جوش إيرنست المتحدث باسم البيت الأبيض، أمس، "لقد تحركنا عبر الطرق الدبلوماسية الاعتيادية لتهدئة بعض التوترات". واختارت المسؤولة عن مكافحة الإرهاب ليزا موناكو، صفحات صحيفة "يو إس إيه توداي" للرد على المخاوف من عملية التنصت، الأمر الذي لم يرق كثيرا للدول المعنية. كما أن رد البيت الأبيض على الاتهامات بالتنصت على هاتف أنجيلا ميركل لم يكن بناء على الإطلاق. واكتفى المتحدث باسم البيت الأبيض الأربعاء الماضي بالقول إن "الولاياتالمتحدة لا تتنصت ولن تتنصت على اتصالات المستشارة"، ليوحي ضمنا بأن التنصت كان يجري في السابق، الأمر الذي رفضت الإدارة الأمريكية تأكيده أو نفيه. والاهتزاز في علاقات الادارة الاميركية لم يقتصر على الدول الأوروبية، بل شمل أيضا دولا أخرى لأسباب مختلفة. ففي الشرق الأوسط عبر الحليف السعودي بشكل غير مباشر عن امتعاضه الشديد من التغيير في لهجة واشنطن مع طهران ومن التراجع عن توجيه ضربة عسكرية إلى نظام الرئيس السوري بشار الأسد، فقرر عدم شغر منصب المملكة في مجلس الأمن. ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان قوله، أمام دبلوماسيين أوروبيين، "إنها رسالة إلى الولاياتالمتحدة وليست إلى الأممالمتحدة". وفي إسرائيل أيضا لم يجد التقارب الأمريكي الإيراني أي تفهم، كما أن قيام الرئيس أوباما بإلغاء جولته الآسيوية بسبب مشاكل الموازنة لم يساهم في حل العديد من المشاكل العالقة بين الطرفين. وأدى تراكم هذه العثرات إلى ضرب إنجازات الإدارة الديموقراطية في البيت الأبيض في مجال العلاقات الخارجية. وأثر انتخابه بعد حكم دام ثماني سنوات لجورج بوش كان الرئيس أوباما يفتخر دائما بأنه أعاد الوهج إلى صورة الولاياتالمتحدة في الخارج. وكان أوباما قال في مطلع العام 2011 في خطابه التقليدي حول وضع الاتحاد إن "الزعامة الأمريكية تجددت وسمعة الولاياتالمتحدة تحسنت". إلا أن هذه المقولة باتت اليوم مثار جدل ونقاش وخلاف.