«هاتولى راجل، عش البلبل، 8%، القشاش» أربعة أفلام تم عرضها فى العيد خلقت موجة ضيق من قبَل الجميع، نقاداً وجمهوراً، فالمقالات والآراء التى عُرضت تصبّ فى هذا الاتجاه، والإيرادات تعبّر عن عدم رضا الجمهور عن هذه النوعية من الأفلام. بصراحة هذه الأفلام تشبه منتجيها لكنها لا تشبه شعباً مصرياً نجح فى صنع ثورتين! المُحزن أن هذه الأفلام خرجت من بين أصابع فنانين جدد، مخرجين وممثلين، أى إنها هى التجربة الأولى بالنسبة لهم، ومعروف أن أهمية هذه التجربة أنها تكشف بغير قصد امتلاء الفنان أو فراغه الفنى. والحقيقة أن هذه الأفلام عكست سطحية فى الموضوع وفى الشكل، فلو أطلقنا على هذه الأفلام موجة الفنانين الجدد فستكون للأسف موجة فارغة تماماً. وقد يكون هؤلاء الفنانون الجدد معذورين فيما فعلوه، إذ إنهم وقعوا تحت سطوة المنتج الذى استغل شغفهم لخوض غمار الفن، وبالتالى سيكونون طوع رغباته. وهنا سنكون أمام ظاهرة جديدة، وهى المخرج المُنفذ لرغبات المُنتج وليس المخرج المُنفذ لآليات أو متطلبات الفن. هناك سبب آخر ظهر فى الرؤية الناقدة لهذه الأفلام، وهو أنها ليست مُعبّرة من قريب أو من بعيد عن مرحلة نعيشها بعد ثورتين، فجاءت الأفلام وكأنها منفصلة عن الواقع أو تُعبر عن واقع آخر غير الذى تعيشه مصر الآن، وهنا يتجلى الانحرافُ الحقيقى عن غاية الفن ذاته كونه مرآة تعكس هموم الواقع أو مصباحاً يُنير الواقع. فمعظم هذه الأفلام تدور حول تيمة البلطجى الجدع الذى يحيا فى العشوائيات، وهى تيمة تتنافى تماماً مع الهمّ الحقيقى المعيش الآن، فالكل يعانى من البلطجة الاجتماعية فى الشوارع المتمثلة فى السرقة وغيرها، وأيضاً البلطجة السياسية من قبَل جماعة تبتزّ بأفعالها الإجرامية دولة بكاملها. وهنا لا نريد ولا نطمح إلى أفلام تعبّر جميعها عن الثورة أو تيمة الثورة، ولكن نريد فى أضعف الإيمان أفلاماً لا تخلو من جدية تجعلها بنت واقعها وبنت مرحلتها، ونحن لا نطلب المستحيل، فتاريخ السينما المصرية ملىء بهذه الأفلام التى اعتُبرت تأريخاً حقيقياً لمراحل بعينها، نذكر مثلاً هزيمة 67، فقد تم عرض فيلم «الزوجة الثانية» فى نفس عام الهزيمة وكان وما زال من روائع السينما، وكان تناولاً غير مباشر لفكرة اغتصاب الحقوق، وبعدها بعام قُدِّم فيلم «قنديل أم هاشم» عن رائعة الكاتب يحيى حقى، وبعدها بعام آخر قُدِّم فيلم «يوميات نائب فى الأرياف»، حتى وصلنا إلى الفيلم الذى يُعبّر تعبيراً حقيقياً عن الحدث والهزيمة وضياع الأرض وقيمتها، حيث عُرض فى عام 1970 فيلم «الأرض» ليوسف شاهين، وهذا يثبت أن الأحداث الثقيلة تحتاج وقتاً كافياً ليعيد الفنان تقديمها، وهو الوقت الذى يجعل الفنان يبتعد عن الحدث ليراه كاملاً بتجرُّد يكفى لتقديمه فى عمل فنى. لم يختلف الأمر فى مرحلة 73، حيث الانتصار العظيم، ففى نفس العام تم تقديم فيلم «حمام الملاطيلى» الذى صُنِّف على أنه فيلم خارج عن حدود الأدب، لكن بعدها بعام قُدِّم فيلم «أبناء الصمت» وفيلم «الرصاصة لا تزال فى جيبى». ما أردته من هذه الأمثلة التى أوردتها أن أدلل على أنه من العيب أن تكون الأفلام جميعها مُسفَّة وقبيحة. لذا نطالب بأن تكون هناك أفلام قبيحة بجوار أفلام أخرى جميلة وخصوصاً بعد ثورة بعظمة وأهمية 30 يونيو، نريد من الفنان السينمائى أن يتعامل معها على الأقل كما تعامل مع ثورة 25 يناير العظيمة أيضاً، فيسرى نصرالله قدم فيلم «بعد الموقعة»، وظهرت أيضاً أفلام مثل «الشتا اللى فات» و«الفاجومى» وغيرهما. نعرف جيداً أن الفنان السينمائى يعيش أزمة سطوة المُنتج الذى يمثل الرأسمالى الجشع الذى يسعى للكسب لا للفن، وهنا يأتى دور الدولة متمثلاً فى مؤسساتها الثقافية لتتبنى مشروعاً مهماً فى النهوض بالسينما إنتاجاً وتوزيعاً لتعود كما كانت مصدراً للدخل المصرى وسفيراً يتحدث باسم شعبها وقوة ناعمة مؤثرة فى القرار الدولى.